الراصد – فضل الله رابح – سيبتسم الوجه الباكي وسينهض الأسد الجريح

..

السودان الذي يعيش اليوم مأساته وملهاته، كان سابقا حكيم العالم العربي لم تكن الخرطوم بقعة مجهولة ولم يكن السودان بلدا فقيرا، بل كان بلدا باهرا وسيعود وإن طال السفر .. في العام ١٩٦٧ م نجحت الخرطوم بقيادة الحكومة الائتلافية وقتها والمكونة من الحزب الاتحادي بقيادة رئيس مجلس السيادة إسماعيل الأزهري وحزب الأمة بقيادة رئيس الوزراء ووزير الخارجية محمد أحمد محجوب بمهمة وصفت بالخارقة في عقد الصلح بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والملك السعودي فيصل بن عبد العزيز بعد رحلات ماكوكية بين القاهرة والرياض قاما بها الأزهري والمحجوب انتهت بإعادة الصفاء والاتفاق بين قادة المعسكرين المتنافسين حينها (عبد الناصر والفيصل) .. أفلحت الخرطوم في إيقناعهما بالمصالحة ووقف الخلاف ونزيف الدم المراق في اليمن ومن ثم يجتمعان مع بقية القادة العرب بالخرطوم من أجل الصمود .. نجحت الخرطوم في جمع القادة العرب في قمة اللاءات الثلاثة عام ١٩٦٧ م وهي _ (لا صلح _لا اعتراف_لا تفاوض) مع العدو الصهيوني ..
أبهر الشعب السوداني هذين الزعيمين حينما استقبلهما استقبالا عظيما أعاد لهما الهيبة والعزة كما نجحت الحكومة السودانية في ذات التاريخ بقبول دول البترول العربي ممثلا في السعودية والكويت وليبيا السنوسي بتقديم دعم مالي مقدر لكل من مصر وسوريا والأردن ولبنان بينما رفضت الحكومة السودانية في إباء وعزة وإيثار عرف به السودانيون عبر تاريخهم قبول أي دعم اقترحه الزعماء العرب نظير مجهود السودان وحكومته في رأب الصدع العربي ووقف نزيف حرب اليمن الذي كانت تتصارع في أرضه جيوش عربية .. هكذا كنا وكانت الخرطوم بيت الحكمة واليوم القاهرة قد ردت الجميل وزيادة وما زلنا ننتظر من أم الدنيا المزيد ولكن أين بقية المكون العربي .. أين عواصم البترول؟؟ أين الرياض .. أين الكويت .. أين .. وأين ؟؟
بعض الدول العربية – بكل أسف – اليوم شريكة في دمار السودان وهلاك شعبه وهي توافر السلاح للمرتزقة وكل أدوات الخراب ليتحول السودان إلى بلدا فقيرا هيكلا متيبسا ولكن سيخيب فألهم وسيعود السودان بلدا قويا – إن شاء الله – سيعود ماردا قويا معطاء لأمته ، ستنتهي الحرب وستصبح تاريخا وذكريات أليمة توثقها مدونات التاريخ ويقرأها الأجيال ، وستصبح مشاهد الحرب مدخلا لقصص وروايات يكتبها ناشطي الأدب والمكون الصحفي والموثقون ..
نعم سيعود السودان أسدا هصورا ولكن من غير شعارات سياسية محدودة الأفق ، إن عودة السودان مرة أخرى حتمية لكنها تتطلب إعمال الفكر والاستفادة من الدروس والتجارب وأخذ العبر ، ومن ثم وضع الأسس والأفكار لمشروع وطني جامع وشامل .. مشروع يراجع كل المراحل التي مر بها السودان منذ استقلاله وحتى اليوم مع مراجعة كل الثورات المدنية والتمردات العسكرية التي شهدها ، ورصد وتحليل أشهر ما تميزت به من أفكار وأدبيات وتشوهات ومشاريع وثائقها الانتقالية وما تضمنته من محددات وأخذ الصالح منها للاستفادة منه وترك الطالح ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى