يقول علي عزت بيجوفيتش في كتابه هُروبي إِلى الحريةِ
لا يمكننا أن نبلغ الكمال، إلا أنَّ هناك شيئاً واحداً يمكننا القيام به : أن نحاول بإستمرار أن نكون أكثر إنسانية، أن يحاول كل إنسان أن يكون إنساناً أكثر بقدر الإمكان .
و بقدر الإمكان هذه تعني صعوبة تحقيقها في خضم موجات هذا الزمان ، كل شئ من حولنا منهك للروح متعب ، مستنزف و مستهلك لطاقتها، مطفئٌّ لنورها الفطري ، زخم المشاعر و تنوعها وتقلبها مع أحداث الزمان صعودا نحو الظلم وهبوطاً حدّ إهانة كرامة الإنسان، جعل الروح في يد موج عاتي تحاصره الموجة إثر الموجة و المشاعر أقرب للروح ، و الروح للسماء أقرب، هنالك حيث العدل الرباني ، لذلك هي غير معنية بمعاير تصنيفات الأرض و لا تقسيمات البشر ولا إختلاف لغات العالم ولا تدرج لون بشرة الشعوب من الأبيض حتى الأشد سواداً، فالناس أمام الإنسانية سواء.
و في محاولة البحث عن إنسانيتنا و إنقاذ ماتبقى منا ليس أقرب للروح من مشاعر التعاطف والتأزر ومناهضة الظلم و إعلاء قيم الإنسانية و حق الحياة والعدل، والشعوب كما البشر تُظلم و تُضهد و يُداس على حقها في الحياة بالقهر .
و كما أن الشعراء يلهمون بعضهم والباحثين هي الشعوب كذلك ، تُلهم بعضها و تتعلم من بعضها قصص مكافحة الظلم ومقاومة الطغيان والبسالة و إندلاع الثورات و الصمود لتُخلد في كتب السيرة و تعاقب الأجيال ، يبقى إسمها و يرتفع نجمها مع الزمن ، و كأننا نقصد غزة و سكانها، قصة تُروى عبر الزمان و تحدي و عزيمة جعلت انتصارات العدو كلها هزائم بقذيفة الياسين و المسافة صفر ، و غزة قطاع و ليست دولة وحماس فصيل مقاومة وليست جيش ، إلا أنها ستبقى من أكثر القصص إلهاما في التاريخ المعاصر .
منذ الحصار الإسرائيلي المفروض عليها في العام 2007م و غزة تواجه تحديات مستمرة و تقدم الشهيد تلو الشهيد، تُدك العمارات و المجمعات السكنية و المباني و يقول سكانها : لن نغادر غزة ، نموت جوار بيوتنا، ويقول شيوخها نموت مع أولادنا هنا و ندفن تحت الركام ، وطفلة من هناك تخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم من على حطام بيتها كأنها تراه :
والله يا رسول الله نحن ثابتون و صابرون ، كل الدنيا طبعت مع الصهاينة إلا من قلت لهم عليكم بالجهاد و إن أفضل جهادكم الرباط في سبيل الله و إن افضل رباطكم عسقلان ، نحن ثابتون وصابرون يا رسول الله طاعة لله و طاعة لك يا حبيبنا يا رسول الله.
إنها روح الصمود و التكافل و الإرادة والتصميم .
لقد إستطاعت المقاومة و بجدارة لا مثيل لها أن تجعل العالم كله يدير عنقه لها و يستمع إلى قضيتها ، إنتفضت الشعوب دعما لطوفان الأقصى كما لم تنتفض من قبل ، دون أن تأبه حتى لمواقف حكوماتها، لقد تصدت الشعوب للظلم و صمدت غزة و لُقب أبو عبيدة بلسان الصدق فصارت القنوات و المواقع تأخذ منه دون تردد ، بل أنها تنتظر طلته لتعرف منه ما الذي صار وحدث ، كان الوسيط بين غزة و الشعوب على إختلافها و صوت الحق و لسان الصدق، حتى أن بياناته صارت تُعرض على شاشات ضخمة في الشوارع ، لله دركم يا اهل غزة و على الله اجركم ، لقد نجحتم بالصمود و الإيمان و اليقين في تحويل القضية إلى قضية إنسانية جمعت الشعوب حولكم، فخرجت مناصرة في مظاهرات حاشدة من أجل إنهاء الإحتلال وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني ، بل و أنهم هتفوا مطالبين بالحرية لفلسطين و دعم القضية الفلسطينية ، لقد تجاوز التعاطف الشعبي العالمين العربي و الإسلامي و إمتد إلى الغرب الأوروبي و الولايات المتحدة و هي الدول التي كانت أكثر تعاطفا مع الإحتلال لسنوات طويلة .
غزة التي أعادت مجد المسلمين و هزمت جيشا يُعتبر من اقوى الجيوش في العالم و أرت العالم كرامات أهلها و فاحت من شهدائها ريح المسك السماوي ، لقد علم أبطال غزة المقاومين الشعوب قاطبة دروس العزة والكرامة والصبر والثبات ، وحدهم يدافعون عن أرضهم و قطاعهم ،
غزة الملهمة و أهلها الخالدون في كتاب التاريخ المعاصر للقادمين من الأمم .
على تمام الوطن – اميمة عبد الله صالح – لماذا ناصرت الشعوب غزة ؟
