المطربة إيمان الشريف في رسالة ود مدني “حليلا إويضّتِي في الجزيرة

صهيب كرمة

قدمت المطربة السودانية إيمان الشريف عملاً فنياً تحاكي واقع مايجري للجزيرة من إنتهاكات وظلم من قبل مليشيا آل دقلو المجرمة “الدعم السريع” الذي يجري منذ اشهر، وعلي خلفيتها أسفر عن وقوع ضحايا وإغتصابات وتشريد ونزح اغلبية سكان قري ولاية الحزيرة وحلّالها،وخلال الأغنية تطرح المطربة اسئلة ببساطة لهجة أهل القرية ، مُستهجنةً خلال رسالتها سبب ما يجري، إذ إستمعنا للأغنية جيداً، هناك أسئلة منطقية بين سطُور و كوبليهات الاغنية، تريد تبريرا مبدئيا او منطقيا لغزو الجنجويد للمنطقة الآمنة.

لاسيما أن الإنسان السوي لا يستطيع أن يتحمل الظلم أو حتي يتعايش معه، بل إنه ينظر للظلم كوباء حل بأرض قومه فوراً واجب عليه أن يطهرها منه دفاعا، ويطرق كل السبل كي يعالج قومه من أثاره المميتة، حتى لو أن هذا الظلم لم يلحق شخصه أو أحدا من أهله، فالحر مشكلته مع الظلم والظلمة أكبر من أن تكون مشكلة شخصية، بل إن من ينتظر أن يمس الظلم شخصه لكي يثور أو يغضب في وجه الظلم.

الجزيرة منبع الفن والجمال والبُسطاء، تدلف المطربة الي عُمق رسالتها البكائِية “فراق البيت المأوي” لتصف للمتلقي حال غرفتها التي كانت تشكل ملاذاً آمناً لها تحتويها بلطف برودتها، أويضتي في الجزيرة حليلا حليلا بارد زينة، وهنا سيما لاتعني غرفتها بعينها، لسان حال المهجّرين قسراً بسبب انتهاكات التتار، تواصل و تضع علامات استفهام واستهجان عريض عن سبب غزو المرتزقة لمدينتها “حليلا ابوي وزير ولا سياسي، لا أمي زاتا وزيرة” وتواصل “امي الصباح تدينا فطيرة” مطرودة من قُطيتي” إنك تشعر من فرط ثُقل تلك الأسئلة إنها قاضي الجلاد الذي سوف تلحق بهم حكماً قاسياً بعد موجة تلك التحريات.

تترك كل شئ تعكس دهشتها عن كبار السن الذين لم يسلموا من تعذيب التتار والتهجير توجه سؤالها للغازي الذي يحمل عصي الانتهاك وتبرر لها عن هذا المُشيب ودور وجوده في المنطقة “القدر ابوك دقيتو حليلا ايام حياتو أخيرا، في جيبو تمرة فطورو في جيبو مافي زخيرة” تستنكر القتل في شهر رمضان قائلةً: “قتلتو صائم ليه حليلا حكم الله ياها الخِيرة، بات في ايديهو طوريتو حليلا الليهو ياها دخيرة” تعبر عن جيوش البُسطاء النازحين المقهورين.

عزيزي ان الفن رسالة سامية تسموا بكل جميل، وللفن دوراً لا يمكن للسياسيين أو حتى العسكريين القيام به ، إذ إنهم يخاطبون الجزء اللاواعي في عقول الشعوب وهو ما يُمكنهم من نقل أفكارهم والمساهمة في تشكيل ثقافة المجتمع والراي العام وتطوير طريقة تفكيره، ومن هذه الزاوية تتبلور مهمة الفنّان المتمثلة في قدرته على تحويل أفكاره إلى عمل يحمل في طياته أبعاد متعدّدة ورؤى تعبيرية تترجم عنها، الفن ليس إعادة إنتاج للواقع وحسب، ولكنه إعادة عرض للواقع ذاته.

رسالتي للفنانين والسياسيين وكل صاحب راي ومحتوي في وجه هذه البسيطة الصمت موت، والرضوخ للظلم تحت أي مسمى يشوه شخصية الإنسان يفسدها ويمزقها للأبد، فلا تستطيع أن تنتظر منه شيئاً لاحقاً، في أي شأن عام يتطلب موقفه او وجوده، لا سيما إقامة الدول العظيمة، وذلك لأن الانكسار الذي يشعر به المقهور ، يقتل بداخله الرغبة في الحركة التي يتطلبها التدافع، والذي يعد السبب الرئيسي في حركة التاريخ، وبسببه تقوم دول وتنهدم أخرى. شكرا ايمان الشريف وفريق عملها علي هذا الجمال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى