عام على الأزمة.. جهود مصرية لوقف نزيف الحرب في السودان

مع مرور عام على اندلاع الصراع المسلح بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، الذي حصد آلاف الأرواح من السودانيين، وأدى إلى نزوح أكثر من 10.7 مليون شخص، كما اضطر نحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، للاعتماد على المساعدات الدولية، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة ومنظمات مستقلة، لا تزال الأزمة السودانية تراوح مكانها، وسط جمود في مسارات التفاوض والحوار، ووسط معاناة إنسانية غير مسبوقة، فيما لا تزال الرؤية ضبابية ولا يبدو في الأفق حل وشيك لأزمة تعد الأعنف في تاريخ السودان السياسي.

بحكم التاريخ وعمق الجغرافيا، كانت مصرُ حاضرة منذ اللحظة الأولى في الأزمة التي شهدها السودان الجريح نتيجة الاشتباكات التي شهدتها البلاد بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع.

أزمة جاءت على الأخضر الذي طالما عُرفت به الخرطوم كسلة غذاء للعرب، وعلى اليابس الذي كتب له الشعراء أبياتًا في حب هذا البلد الطيب.

ومنذ اندلاع الأزمة السودانية منتصف إبريل عام 2023 تواصلت مصرُ مع طرفي الأزمة السودانية من أجل وضع رؤية لحل الأزمة تتضمن التوصل لوقف شامل ومستدام لإطلاق النار وعدم السماح بالتدخلات الخارجية في البلاد والحفاظ على مؤسسات الدولة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية للمناطق المتضررة نتيجة الاشتباكات.

ولأن استقرار السودان يعد أحد مرتكزات الأمن القومي المصري، اجتمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عدة مرات مع الفريق ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني لبحث الأزمة، كما طالب الرئيس المصري في عدة مناسبات طرفي الأزمة بتغليب لغة الحوار والتوافق الوطني وإعلاء المصالح للشعب السوداني.

وبث الصراع في السودان الفوضى في أنحاء البلاد وأطلق العنان لموجات من أعمال العنف العرقية في دارفور ودفع الملايين إلى براثن الجوع.

وبالنظر إلى الجهود التي بُذلت بغية إيجاد تسوية للصراع ووفق القتال، التي تتضمن الالتزام بحماية المدنيين، وانسحاب الدعم السريع من منازل المواطنين والأعيان المدنية المتمثلة في المؤسسات الحكومية ومراكز الخدمات المختلفة، لكن العثرات اعترضت إنفاذ الاتفاق، طبقًا لما يقوله الجيش السوداني لعدم التزام الدعم السريع بالانسحاب من منازل المواطنين والأعيان المدنية.

لكن الاتفاقات على وقف إطلاق النار انتهكت مرارًا، ما أدى إلى تعثر العملية. وتم إطلاق مبادرات أخرى من قِبل الهيئة الحكومة للتنمية في شرق إفريقيا (إيجاد) ومصر، ما أثار القلق من تداخل وتنافس الجهود الدبلوماسية.

وأدى احتدام الخصومة السياسية والعرقية داخل السودان إلى فرار مئات الآلاف إلى مصر وتشاد ودولة جنوب السودان مع عبور أعداد أقل إلى إثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى. ويسعى عشرات الآلاف للبحث عن مأوى في جميع أنحاء بورتسودان الخاضعة لسيطرة الجيش ولكنهم يتساءلون عما ينتظرهم في المستقبل.

وفي هذا الإطار، قال فيليبو جراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن الحرب تسببت في واحدة من أسوأ موجات النزوح والأزمات الإنسانية في العالم، علاوة على كونها واحدة من أكثر الأزمات إهمالًا وتجاهلًا تقريبًا، رغم أن آثارها وتداعياتها ومعاناة الناس غير عادية. وحذّر “جراندي” من أن المزيد من اللاجئين السودانيين قد يتوجهون إلى أوروبا إذا لم يتلقوا مساعدات.

وفي مايو أيضًا من العام 2023 تقدم الاتحاد الإفريقي للطرفين بخارطة طريق تستند على وقف فوري لإطلاق النار ومعالجة الأوضاع الإنسانية، لكنها لم تجد الاستجابة من الطرفين، ليستمر القتال الذي تمدد إلى مناطق جديدة. وفي يونيو 2023 أيد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي جهود الهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد) لحل الأزمة السودانية لكن تلك الجهود لم تتكلل بالنجاح.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الإفريقي علّق عضوية السودان في 27 أكتوبر 2021 حتى الاستعادة الفعلية للسلطات الانتقالية بقيادة مدنية، التي تم حلها إثر تغيير نفذه العسكريون، إلا أن الاتحاد الإفريقي استمر في الاتصال بقيادة الجيش السوداني بغية دفع مسار السلام والاستقرار في الأزمة التي طال أمدها، وأثرت على دول الجوار الإفريقي تأثيرًا مباشرًا، ففي أحدث تلك الجهود التقى عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني في 24 مارس 2024 وفد الآلية الإفريقية رفيعة المستوى بشأن السودان برئاسة محمد بن شمباس، الذي عقد العديد من اللقاءات خلال الفترة الماضية مع قادة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني السودانية في كل من القاهرة وأديس أبابا وغيرهما، حيث وقف على الرؤى والأفكار بشأن وقف الحرب وإعادة السلام والاستقرار في السودان.

وفي 26 من فبراير 2024 عيّنت الولايات المتحدة الأمريكية أخيرًا مبعوثًا خاصًا لها في السودان هو توم بيرييلو، عضو الكونجرس السابق الذي عمل سابقًا مبعوثًا خاصًا لمنطقة البحيرات الكبرى في إفريقيا، في مسعى جديد لإقناع الطرفين المتحاربين بإلقاء السلاح ووقف القتال، الإدارة الأمريكية نشطت عبر مبعوثها الجديد توم بيرييلو، الذي زار سبع عواصم إفريقية وعربية، لتطويق الأزمة السودانية، حيث حملته إلى جيبوتي، إثيوبيا، كينيا، أوغندا، مصر، السعودية والإمارات، كما التقى في أديس أبابا ونيروبي وكمبالا والقاهرة طيفًا من قيادات القوى السياسية السودانية المختلفة وممثلي المجتمع المدني، ومجموعات نسوية وشبابية سودانية.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، استمر القتال رغم دعوات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة والأمين العام لوقف إطلاق النار في شهر رمضان الماضي. ويضغط المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، الذي عين حديثا، من أجل استئناف المحادثات هذا الشهر في جدة. وتستضيف باريس مؤتمرا للمانحين اليوم الإثنين في محاولة لجمع تمويل للمساعدات وزيادة وصول العاملين في المجال الإنساني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى