
اتضح من المقال السابق اتفاق الذين شاركوا في الجلسة أن الصورة الذهنية في عقل المواطن المصري و السوداني العادي قد بنيت على ابعادهما كلاً عن الآخر تحت سياسة فرق تسد التي كانت إحدى وسائل الاستعمار في التحكم والسيطرة.
غير أن تلك العقبات جميعها لم تقف حائلاً دون العمل على وحدة المصير المشترك ليس على مستوى مصر والسودان بل على مستوى العالم العربي والاسلامي، فعلى صعيد البلدين شارك السودان الى جانب مصر في حرب فلسطين في العام 1948م لدرجة أن أصبح للسودانيين حياً سكنياً في مدينة غزة اسمه حي السودانية، ثم بعدها جاءت مشاركة السودان في صد العدوان الثلاثي على مصر ثم حرب الاستنزاف التي اعقبت نكسة يونيو 1967م وما قام به السودان من ادوار عظيمة بعد ذلك تمثلت في ايواء الطائرات المصرية في قاعدة وادي سيدنا وطلاب الكلية الحربية المصرية في الكلية الحربية السودانية واستضافة القطع البحرية المصرية في حلايب، وعقد مؤتمر القمة العربية الشهير بقمة اللاءات الثلاث في الخرطوم، وما نتج عنها من مصالحات بين الزعماء العرب والدعم العربي اللامحدود للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ثم أعقب ذلك مشاركة القوات المسلحة السودانية في حرب اكتوبر 1973م ومن بين ضباطها الرئيس السوداني السابق المشير عمر البشير ووزير الدفاع الأسبق الراحل الفريق أول ركن عبد الرحمن سر الختم وضباط عظام آخرين، وقد تحدث عن كل تلك الوقائع باستفاضة في إحدى اللقاءات التلفزيونية المبذولة على شبكة الانترنت السفير أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية بخلفيته العسكرية والدبلوماسية والسياسية.
وقد وصلت العلاقات بين البلدين قمتها في عهد الرئيسين الراحلين جعفر نميري وأنور السادات حيث تم توقيع اتفاقية الدفاع المشترك وميثاق التكامل السوداني المصري الذي أسفر عن برلمان وادي النيل الذي يشرع للقوانين حول مشروعات التعاون المشترك بين البلدين مثل مشروع التكامل الزراعي في ولاية النيل الأزرق وهيئة وادي النيل للملاحة النهرية وبطاقة وادي النيل التي كان يستخدمها مواطنو البلدين دخولاً وخروجاً مستغنيين عن تأشيرات الدخول والخروج.
وللأسف فإن تلك التجربة الرائدة قد تم الغاؤها بسقوط نظام نميري في السودان ولأننا لا نفرق بين مصالح الوطن والاختلاف حول الحكومة تم الغاء اتفاقية التكامل واستعيض عنها بميثاق الاخاء السوداني المصري الذي لم يسفر عن أي فوائد كبرى، ثم تم الغاء اتفاقية الدفاع المشترك ليصبح بعدها ظهر السودان مكشوفاً وهو يتعرض لاعتداءات متكررة من اسرائيل مباشرة أو عبر حركات التمرد التي بدأت قبيل الاستقلال عبر تدخلات اجنبية مباشرة لا تزال البلاد تتأزى منها حتى اليوم .
ثم كانت هناك اشراقات أخرى في مسيرة تحسن العلاقات تمثلت في توقيع اتفاقية الحريات الأربع في العام 2004م وهي حرية الانتقال والإقامة والتملك والعمل بالإضافة الى نحو خمسة عشر اتفاقية تعاون في المجالات المختلفة، ورغم أن تلك الاتفاقيات لم تلغ بعد سقوط نظام الإنقاذ، وهذه محمدة في التفريق بين تغير الحكومات ومصالح الأوطان، إلا إن تطبيق تلك الاتفاقيات لا يزال دون الطموح، وقد كان لحرية الانتقال الأثر الكبير في دخول السودانيين إلى مصر استجارة من رمضاء حرب أُشعلت في السودان بتخطيط دولي تولته بعثة الامم المتحدة في الخرطوم بالتنسيق مع جهات داخلية وخارجية عربية ودولية لا تريد فوزاً لمصر ولا استقراراً للسودان ، لذلك تم ابعاد مصر عن كل محاولات وقف الحرب عدا مبادرة دول جوار السودان التي لم يكتب لها النجاح مثلها مثل المبادرة الليبية المصرية لحل الأزمة في جنوب السودان والتي وئدت في مهدها ليستعاض عنها باتفاقية نيفاشا التي كانت محسومة النتائج سلفاً بانفصال الجنوب وكان لا بد من إبعاد مصر عنها لينجح المخطط.



