أخر الأخبار

كمال جاب الله يكتب : فاتورة الجائحة تتزايد اقتصاديًا واجتماعيًا باليابان

طوكيو، كغيرها من كل الدول، دفعت اليابان “فاتورة” اقتصادية واجتماعية باهظة التكاليف، نتيجة لفترة الإغلاق –العصيبة- إبان انتشار الجائحة، وفور وصول الراكب لمطار “ناريتا” القريب من العاصمة، يلمس الزائر بسهولة حجم المشكلة.

الأسواق التجارية الفاخرة، المطاعم والمقاهي المشهورة بتقديم كل ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات اليابانية، بل أيضًا، الخدمات “اللوجستية” المعتاد تقديمها للمسافرين، وكان يتمتع بها أهم مطار في اليابان، باتت فقيرة، ومحدودة للغاية.

بحسب الإحصائيات الصادرة عن الهيئة المشغلة للمطار، انخفض عدد العاملين بنسبة 15%، مقارنة بالوضع الذي كان عليه قبل أربع سنوات، بسبب تراجع عدد رحلات طائرات الركاب، وتوقف حركة المسافرين – تقريبا- في أثناء ذروة الجائحة.

بعد زوال الإغلاق، ارتفع عدد الرحلات والمسافرين بشكل قياسي، وأبدت شركات الطيران الأجنبية الرغبة في تشغيل نحو 152 رحلة جديدة وإضافية، وبسبب نقص العمالة بالمطار، رجحت السلطات قبول ثلث هذا الرقم –فقط- بنهاية مارس المقبل.

أكثر من ثلثي الشركات الصغيرة اليابانية تواجه نقصًا في العمالة، وتمتد الظاهرة الخطيرة إلى مجموعة واسعة من الصناعات، وتحديدًا في قطاعات التمريض والتشييد والبناء، والفنادق والمطاعم، وفقًا لاستطلاع أجرته غرفة التجارة والصناعة اليابانية في شهر سبتمبر الماضي، وهو أعلى مستوى منذ عام 2015.

استطلاع آخر أجرته “ريكروت هولدينجز” أظهر أن الشركات اليابانية بدأت تهتم بإعادة تعيين الموظفين السابقين، الذين غادروا أو تقاعدوا، لتعويض نقص العمالة، في ضوء فهمهم لثقافة الشركة وأسلوب العمل، والعلاقات الداخلية.

حالة العسر الاقتصادي، الناتجة عن الإغلاق، لم تتوقف عند حد المطار، بل يلمسها الزائر في أثناء تحركاته الاعتيادية بميادين العاصمة اليابانية، وأسواقها ومطاعمها ومقاهيها، التي كانت تضج بأصوات صاخبة لمندوبي التسويق والترويج للمنتجات.

لأن زيارتي لليابان سياحية في الأساس، فقد بدا مغريًا الانخفاض القياسي لسعر صرف الين مقابل الدولار الأمريكي (الدولار=150 ينا)، غير أن تكلفة الإقامة والانتقالات وأسعار السلع الغذائية، عمومًا، ابتلعت تلك الميزة النسبية للسائح.

شهر أكتوبر 2023، شهد معدلات متسارعة للتضخم باليابان، وفقًا لبيان منسوب لوزارة الشئون الداخلية، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 2.9%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وقفز مؤشر التضخم الخاص بالمواد الغذائية بنسبة 7.6%، وزادت تكلفة الإقامة بالمرافق السياحية بنسبة 40%.

في الوقت نفسه، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لليابان بمعدل سنوي نسبته 2.1%، في الفترة من شهر يوليو إلى شهر سبتمبر، الماضيين، وهو أول نمو سلبي خلال ثلاثة أرباع عام، حيث أثر ارتفاع الأسعار على الإنفاق الاستهلاكي.

الأثر السلبي للجائحة على المستوى الاجتماعي بدا أكثر وضوحًا في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، ومدارس ذوي الاحتياجات الخاصة، اليابانية، وفقًا لنتائج مسح سنوي أجرته وزارة التعليم.

جاء في المسح أن نحو 299 ألف طالب وطالبة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية تغيبوا عن الدراسة في العام الدراسي الذي انتهى في شهر مارس عام 2023، ويعد هذا الرقم، الذي واصل الارتفاع لعشر سنوات على التوالي، هو الأعلى.

أيضا، ارتفعت حالات التنمر وارتكاب أعمال العنف والانتحار إلى مستوى قياسي، حيث بلغت حالات التنمر 681 ألفا و948 حالة بارتفاع أكثر من 60 ألفا عن العام الدراسي السابق، وتم تعريف 923 حالة تنمر على أنها “وضع خطير” حيث تضمنت قتل الأطفال لأنفسهم أو تغيبهم عن المدرسة، كما كان الرقم الأعلى على الإطلاق بزيادة 200 حالة تقريبًا عن العام السابق، ولم تكن المدارس في نحو 40% من الحالات على دراية بحدوث التنمر حتى تم تعريفه على أنه حالة خطيرة.

وصل عدد الأطفال والطلبة الذين انتحروا إلى 411، وهو ثاني أعلى رقم قياسي. ومنهم 19 طالبًا في المرحلة الابتدائية و123 في الإعدادية و269 في الثانوية.

أكدت وزارة التعليم اليابانية أن الأعداد المتزايدة من الأطفال الذين ينتحرون ينذر بخطر شديد، وتعزو الوزارة ارتفاع أولئك الذين يتغيبون عن المدرسة إلى التغيرات في ظروف معيشتهم، الناجم عن جائحة فيروس كورونا، وتقول إن القيود المتعددة التي تم فرضها على المدارس جعلت من الصعب على الطلبة اليابانيين بناء علاقات.

في شهر أكتوبر 2023، أكمل رئيس مجلس وزراء اليابان، كيشيدا فوميئو، مرور عامين على توليه مهام منصبه، وبهذه المناسبة، صرح بأن أحداثا ونقاط تحول لا يمكن أن تحدث إلا مرة واحدة خلال عقود، قد وقعت في فترة ولايته.

قال: “اليابانيون تغلبوا على الآثار السلبية للجائحة، غير أنهم يعانون الآن بسبب ارتفاع الأسعار، وبالتالي، زيادة عائدات الضرائب، التي تعد ثمرة النمو، يجب أن يعاد توزيعها بشكل صحيح على الناس، ويجب تسخير كل الأدوات مثل التخفيضات الضريبية، وتخفيف أعباء الضمان الاجتماعي في تجميع حزمة اقتصادية شاملة”.

لمعالجة التضخم المرتفع ولضمان الزيادات المستمرة في الأجور، حددت حكومة كيشيدا 5 أهداف لتقليل الأعباء المالية على الأسر، ومساعدة الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم على زيادة الأجور، وإيجاد حوافز ضريبية لتشجيع الاستثمارات، وخفض ضرائب الدخل والإقامة بنحو 260 دولارًا لكل دافع ضرائب ومعول، ومنح الأسر ذات الدخل المنخفض المعفاة من ضريبة الإقامة على حوالي 460 دولارًا.

في الوقت نفسه، سيتم تمديد الإعانات المقدمة حاليًا لتجار النفط بالجملة وتدابير خفض فواتير الكهرباء حتى شهر أبريل المقبل. ولتحقيق الهدف المتمثل في ضمان زيادة الأجور، بشكل مستدام وتعزيز قدرات النمو، ستساعد الحكومة اليابانية الشركات الصغيرة والمتوسطة على الاستثمار في رأس المال لتعزيز الإنتاجية، كما تخطط لزيادة التمويل لبناء مركز لإنتاج أشباه الموصلات داخل اليابان.

متوسط أجور العمال في اليابان بلغ في شهر أغسطس الماضي 282700 ين، أو حوالي 1900 دولار شهريًا، بما في ذلك العمل الإضافي، ويمثل هذا المتوسط زيادة بنسبة 1.1% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، في ارتفاع للشهر العشرين على التوالي، لكن تلك الزيادة لم تتمكن من مواكبة ارتفاع أسعار المستهلكين.

الزيادات في الأجور شملت كيشيدا نفسه، بنحو 3 آلاف دولار سنويًا، ووزراءه بنحو 2100 دولار سنويًا، غير أن المتحدث باسم الحكومة، ماتسونو هيروكازو، صرح بأن كيشيدا وأعضاء حكومته سيردون زيادات أجورهم إلى خزانة الدولة.

kgaballa@ahram.org.eg

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى