بقلم : الباحث الأكاديمي
الدكتور / طاهر موسى الحسن
Tahermusa2010@yahoo.com
لم يلجم هول مفاجئة الهجوم المباغت على مستوطنات غلاف غزة، قادة دولة الكيان الصهيوني وأجهزة إستخباراتها وحدهم، ولكنه ألجم الكثير من المهتمين بالشأن السياسي في العالم، لا سيما السياسيين المؤيدين والداعمين لدولة الكيان الصهيوني أكثر من اليهود أنفسهم .
فصدرت تحليلات خيالية تصور ما حدث من إختراق لسياج الحماية المنيع، الذي تم إجتيازه من قبل أبطال كتائب القسام، بأنه تم بإتفاق مسبق بين رئيس وزراء الكيان الصهيوني (النتن ياهو)، وقادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وعبر بعضهم عن دهشته لدخول هذا العدد الكبير من المقاتلين الفلسطينين وتمكنهم من إختراق الجدار المضروب بين القطاع والمستوطنات، وأسر مدنيين وجنود مقاتليين مدججين بالسلاح – الذي ليس له مثيل!!!.
وبل مغادرتهم من داخل حدود 48 بسلام ومعهم رهائنهم ..! وغرد أحدهم قائلا (لو حلت حمامة على الجدار العازل بين غزة وإسرائيل ليلاً، لصاحت أجهزة الإنذار وأعلنت حالة الطوارئ، وتم إيقاظ المسؤول العام عن المراقبة) .
وقد تجد العذر لمن لم يستوعب ما حصل بسبب إعتقاده أن إسرائيل دولة لا تقهر نسبة لما يراه ويسمع عما تملكه من آلة عسكرية متطورة، وآلة إعلامية ضخمة توجه الرأي العام لترسيخ تلك المقولة، وأنها بحق قوة ضخمة لا مثيل لها، ومدعومة من قبل أمريكا والدول الأوربية بشكل غير محدود، مما وفر لها الحماية الكاملة لممارسة العنجهية والغطرسة وإنتهاكات حقوق الغير بصورة علنية من غير خوف أو حياء، أو وازع من ضمير أو أخلاق، مع علم الجميع أنها دولة مغتصبة لأرض فلسطين منذ العام 1948م وتمارس الإرهاب بكل أشكاله .
حاصرت دولة الكيان الصهيوني قطاع غزة منذ 16 عاماً، براً وبحراً وجواً، وحشرت حوالي مليوني مواطن فلسطيني في مساحة لا تتجاوز 365 كلم مربع، ومنعت عنهم كل مقومات الحياة، والعالم يتفرج عليهم كأن الأمر لا يعنيه خاصة مدعي الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان .
قتلت جيوش الصهاينة وما زالت تقتل الأطفال والنساء والعجزة والمسنين، ولم يسلم من آلة بطشهم أحد – مسلماً كان أو مسيحياً – حتى إعتاد الناس على أخبار القتل والسحل والتدمير، لكثرة ما تبثه أجهزة الإعلام الموجهة، وربما أدار المشاهد مؤشر القناة التي تنقل تلك الأخبار إلى أخرى تعفيه من مشاهدة مناظر حمم وبراكين النيران التي تطلقها الطائرات العسكرية على القطاع بشكل دائم ومتكرر ، وتهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها ، وتستهدف المستشفيات وعربات الإسعاف التي تنقل الجرحى والشهداء، وتمنع وصول المساعدات وفرق الإنقاذ دون شفقة أو رحمة .
وكم من مشهد فظيع نقلته كاميرات القنوات الفضائية، كمقتل الطفل محمد الدرة برصاصة قناص صهيوني كان يجرب عليه دقة تصويبه ومدى جودة بندقيته، والطفل يحتمي بوالده بلا حول ولا قوة ، ومشهد الطفل الفلسطيني الآخر الذي يرميه الجندي الصهيوني أرضاً ويضع ركبته على عنقه الصغير حتى يلفظ أنفاسه، ولا يجد من مغيث، ولا من ويستنكر ما تتعرض له حقوقه من مدعي حماية الطفل، لو بأبسط الإيمان حتى لا يتكرر مع غيره مستقبلاً .
أما إهانة النساء وقتلهن بدم بارد فحدث ولا حرج، وما حادث مقتل الإعلامية شيرين أبو عالقة مراسلة قناة الجزيرة، وهي على الهواء مباشرة ببعيد عن الأذهان، والغريب في الأمر أن مراسم تشييع جثمانها لم يسلم من الإعتداء بمهاجمة النعش وهو في طريقه إلى مثواه الأخير.. ومع الأسف لم تتحرك أمريكا التي تحمل شرين جنسيتها بل ظلت ساكنة .
كيف تمكن أبطال المقاومة من عبور الجدار والدخول إلى المستوطنات في الأراضي المحتلة دون أن ترصدهم رادارات وأجهزة الإستشعار من بعد، وكل التكنلوجيا التي أحاطت بها إسرائيل حدود مستوطناتها؟ وأين أجهزة الموساد والشاباك وكل الأجهزة الإستخبارية الصديقة لإسرائيل التي تدعي إستطاعتها رصد أنفاس وهمسات كل من بقطاع غزة ..؟!.
إستخدم أبطال المقاومة خطة تضليل للرادارات بإطلاق وابل من الرشقات الصاروخية بكثافة وسرعة ، حيث يلتقط الرادار الأجسام عبر (بصمة رادارية) تحدد حجم الجسم وسرعة ، وتستهدفه صواريخ دقيقة تدمره، ولكن كثافة الصواريخ وسرعتها أربكت عملها ولم تستطع إلتقاط كل الأجسام، لا سيما التي حلقت على إرتفاعات منخفضة، كالطائرات الشراعية من وحدة الصقور الجوية لأبطال المقاومة، مما مكنها من تجاوز السياج الحديدي والجدار الأسمنتي المسلح (علماً بأنه بعمق 9 أمتار لمنع حفر الأنفاق) .
لم تستفق دولة الكيان وأجهزتها من الصدمة وتصرفت بوحشية متوقعة للتنفيس عن غضبها والإنتصار لكرامتها التي تمرقت في التراب بشن غارات جوية وبحرية وبرية بحشد (جدار من الدبابات) على كل قطاع غزة، وهدمت الأبراج والبيوت على ساكنيها مع التلويح بالهجوم البري لمسح غزة من الوجود .
كشفت العملية الشجاعة والمعقدة من كتائب القسام، أوهام القبة الحديدية للجيش الصهيوني الذي يأتي في المرتبة الثامنة عشر من ناحية القوة العسكرية لإمتلاكه حوالي (7500) مدرعة، ومدافع ذاتية الحركة، وقوات برية تتجاوز 140 ألف جندي خلافاً عن 465 ألف من قوات الإحتياط، علاوةً للرادارات والتقنية المتقدمة، حيث لا توجد مقارنة بينها وبين كل الدول التي تحيط بها، دعك من مقاتلي المقاومة في قطاع غزة .
كما عرت العملية الجريئة خزعبلات المخابرات الإسرائيلية خاصة جهاز الموساد المعني بجمع المعلومات الإستخبارية وتحليلها ووضع سناريوهات للأخطار المتوقعة وتنفيذ العمليات السرية خارج حدود إسرائيل، وإقامة العلاقات السرية كعقد المعاهدات، وقضايا الأسرى والمفقودين، فضلاً عن النشاط في مجال البحوث والتقنيات .
وهو جهاز عريق أسسه ديفيد بن غوريون في العام 1949م، كما عجز جهاز الشاباك المعني بالأمن الداخلي والخاضع لرئيس الوزراء بالتنبؤ بالعملية مما يوحي بأن تخطيط حماس كان دقيقاً حيث نظفت صفوفها من العملاء والجواسيس وعملت في صمت لمدة عامين كاملين حتى أعطت الإنطباع بالإستسلام للأمر الواقع والإقرار بالتوفق للقوة التي تدعي بأنها لا تقهر .
نواصل غدا ..