الخرطوم الحاكم نيوز
إن سعي غرب افريقيا للتحرر من النفوذ الفرنسي مرتبط إلى حد كبير بقصة التبعية الاقتصادية المتمثلة في الفرنك الغرب الأفريقي والوسط الأفريقي والذي يعود إلى بواكير أيام الاستقلال السياسي كما وصفه كوامي نكروما فقد نالت اثني عشر مستعمرة فرنسية سابقة استقلالها في ستينيات القرن الماضي ونجحت فرنسا في السيطرة على تلك الدول بالإضافة إلى مستعمرتين اسبانيتين وبرتغاليتين هما غينيا الاستوائية وغينيا بيساو بربطها بالفرنك الأفريقي الذي قسم أيضا إلى مجموعتين هما الفرنك الغرب افريقي ويستخدم في بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوجو والفرنك الوسط افريقي ويستخدم في الكاميرون والكونغو وغينيا الاستوائية والغابون وأفريقيا الوسطى وتشاد وترتبط تلك العملات بالفرنك الفرنسي سابقا واليورو الأوروبي حالياً باتفاق يحدد سعر صرف كل منهما من قبل البنك المركزي الأوروبي.
ورغم أن قيمة الفرنك في غرب ووسط أفريقيا متساوية الا إنه لا يمكن استعمال فرنك غرب افريقيا في وسطها والعكس.
وقبل تلك الانقلابات حاولت ثماني دول من غرب ووسط افريقيا وعلى رأسها ساحل العاج التوقف عن تداول الفرنك الافريقي في العام ٢٠٢٠م إلا إن ذلك لم يحدث حتى الآن بضغوط قوية من فرنسا التي ربطت غرب ووسط أفريقيا بمجموعة من المصالح المحكمة سياسياً من خلال التدخل في الشأن السياسي لتلك الدول حيث أنها تستطيع تنظيم التظاهرات والانقلابات والتأثير على الانتخابات وتعيين الرؤساء.
واقتصاديا من خلال الشركات الفرنسية العملاقة العاملة في مجال النفط والغاز واليورانيوم والذهب والمغنيسيوم وعلى سبيل المثال فإن كهرباء باريس تعتمد بنسبة 70% على اليورانيوم المستخرج من النيجر .
كما أنها تتحكم ثقافيا من خلال اللغة الفرنسية كأحدى وسائل السيطرة والاستلاب الثقافي
ولفك ذلك الارتباط الاستعماري فقد تلاحظ في تلك القمم التي سبقت الإشارة اليها أن روسيا تسعى للأخذ بيد الدول الافريقية للحفاظ على استقلالها لأن المشروعات الروسية اليوم غير مرتبطة بدافع ايدلوجي كما كان عليه الحال أيام الحرب الباردة وتسعى روسيا أيضا لمساعدة هذه الدول في القضاء على الحركات الإرهابية النشطة في الساحل والصحراء.
أيضا في تلك القمم اتفق المجتمعون على تأسيس نظام متعدد الأقطاب وسوق اقتصادية أفريقية تمتد من السنغال إلى الصومال ، اضافة الى قيام نظام مالي متعدد الأقطاب يلغي هيمنة اوروبا على اقتصاد العالم وهذا التطور مرتبط أيضاً بمقترحات مجموعة البريكس التي تمثل روسيا والصين أهم أعضاءها وتسعى تلك المنظمة في آخر قمة عقدتها في أغسطس الماضي لضم خمس دول جديدة من بينها دولتان افريقيتان هما مصر وإثيوبيا.
وإلى جانب روسيا هناك ترحيب واسع النطاق في القارة بقادم قديم وجديد وهو الصين التي سعت أيضا لتوسيع نفوذها في القارة منذ ستينيات القرن الماضي ثم انكفأت على نفسها لفترة وعادت لتعميق صلاتها الاقتصادية بالقارة في نهايات القرن العشرين وتوجت ذلك بزيارات قام بها الرؤساء الصينيون حيث شملت الزيارة أحياناً أكثر من عشر دول أفريقية في عهد الرئيسين هو جنتاو و تشي جين بينغ.
ابتدرت الصين أيضاً سلسلة من القمم الصينية الأفريقية بدأت في العام 2018م وأخذت مسمى منتدى التعاون الصيني الأفريقي في الأعوام 2018م و2021 و2022 وقد شارك فيها العديد من الزعماء الأفارقة والمنظمات الإقليمية الأفريقية والإتحاد الأفريقي الذي اهتمت به الصين كثيراً وبنت حتى مقره في أديس أبابا منحة منها. والهدف الأول للصين هو تقديم المساعدات ودعم الموقف المستقل لتلك الدول وتوسيع صور التعاون بتقديم نموذج يختلف عن استغلال فرنسا وبريطانيا وبقية دول أوروبا وأمريكا للقارة الافريقية والذي استمر لمئات السنين مع عدم تقديم مساعدات ذات جدوى تسهم في النهضة الإقتصادية لتواكب أفريقيا الاقتصاد العالمي.
اتضح مما سبق أن القاسم المشترك هو الديمقراطية الزائفة في أفريقيا والتي تجري بطريقة صورية ترضي طموح الغرب في الإبقاء على تلك المسوح وتبقي على سيطرة بعض الأسر الحاكمة في الجهوريات شبه الملكية التي يظل الرئيس فيها زعيماً مدى الحياة يعدل الدستور كل مرة ليناسب الفترات التي يود أن يظل فيها على سدة الحكم بمساعدة من حزبه الديكوري الحاكم أو أحزاب هشة أخرى يقوم رؤساؤها بأدوار الكومبارس وتكوين إطار لصورة حكم ديمقراطي تعددي .
تأسيساً على ما سبق فإن الانتخابات التي كانت تجرى في الدول الست موضوع مقالنا ما انفكت تهيمن عليها في الغالب أسرة واحدة ورثت الحكم منذ الاستقلال بل وفي بعض الأحيان نجد أن من يقومون بالإنقلاب أفراد من تلك الأسرة التي تسيطر على ماضي وحاضر تلك الدول ففي دولة صغيرة غنية بالموارد مثل الجابون التي يعيش فيها شعب مستغل فقير صغير العدد لا يتجاوز المليونين ونصف لم يستفد أبداً من تلك الثروات بينما استفادت منها بصورة كلية فرنسا التي لديها قواعد عسكرية ضخمة وتحمي مصالحها هناك أسرة الرئيس عمر بونجو وهو الزعيم الأوحد منذ الاستقلال ثم خلفه ابنه عمر الذي نظمت له ذات الانتخابات الصورية التي ابقته رئيساً لدورتين مدتهما أربعة عشر عاماً ثم أوشك على بدء ولاية جديدة اوقفها آخر الانقلابات في القارة والذي ربما لن يكون الأخير.
تلك الانتخابات شابتها العديد من التجاوزات ولكن فرنسا غضت الطرف عنها لأنها الداعم الرئيس لأسرة بونغو الحاكمة، ولأن لديها شركات كبرى تعمل في الاستثمارات في مجال النفط والغاز، وفي مقابل السخط على فرنسا رفع المحتجون على نتائج الانتخابات أعلام روسيا.