في موجات ما سمي بالربيع الديمقراطي الأفريقي في العقد الثاني من القرن الحادي و العشرين كانت منطقة غرب أفريقيا قد شهدت أعراساً ديمقراطية في العديد من دولها مثل سيراليون ومالي وغانا وساحل العاج وغيرها ولكن الديمقراطية المزيفة والانتخابات المزورة تحت سمع وبصر وربما تدبير الغرب جعلت حالات الفقر والعوز تزداد ومشاعر الغبن تتداعى على تلك الأنظمة التي جعلت الشباب الأفريقي يركب الصعاب عبر مراكب الموت للحاق بالدول الأوروبية التي لا تزال تنهب خيرات القارة وتنصب أنظمة موالية لها رغم أنف تلك الشعوب فكانت النتيجة أن اصبح ذات الجزء الذي بدأت منه موجات الاستقلال والتحرر والتحول الديمقراطي موئلاً لموجة جديدة من الانقلابات العسكرية في بدايات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين طالت حتى الآن من تلك الدول ثمانية.
إذا تناولنا النيجر مثالاً لتلك الانقلابات فقد أعلن زعماء المجلس الانتقالي أن ذلك التغيير يمثل بداية نهاية النفوذ الفرنسي بالغاء الاتفاقيات الموقعة مع فرنسا وطرد الجيش والسفير الفرنسيين وكذلك كان الوضع في مالي وإن كانت الحكومة الفرنسية قد اعترفت بالوضع هناك، وقد سعى انقلابيو النيجر للتواصل مع ايكواس لالغاء التدخل العسكري واستفادوا من علاقاتهم مع كل من الجزائر ونيجيريا.
كانت هناك موجات من العداء لفرنسا في كل تلك الدول التي شهدت انقلابات ذلك لأن فرنسا بعد خروجها من تلك الدول وإعطاءها الاستقلال السياسي حافظت على اتفاقيات أمنية وعسكرية بدعوى محاربة الجماعات الإرهابية والاتجار بالبشر ولكن تلك الاتفاقيات بدأت تتساقط تباعاً منذ العام 2019م ولم تحقق الهدف المنشود إذ لا تزال الجماعات الإرهابية تسيطر على ثلث الأراضي المالية وأمتد نشاطها الى النيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو ، لذلك ترى القيادات الجديدة أن خروج فرنسا يحسن الوضع الأمني في تلك الدول التي لها علاقات مع دول أخرى قد تساعدها في ذلك الموضوع ومن بينها دون أجندات خاصة بها.
وفي مقابل العداء لفرنسا والغرب بصفة عامة فإن مؤيدي الإنقلابات المشار إليها قد رفعوا الأعلام الروسية كما رفعت من قبل في الغابون والسنغال وفي ست دول أخرى في غرب القارة، وربما كان مرد ذلك أن روسيا قد أعطت إشارة واضحة بالتعاون على أسس من الندية من قبل أربع سنوات في قمة سوتشي التي حضرها 43 رئيس دولة ورئيس وزراء أفارقة و11 من نواب الرؤساء ووزراء الخارجية وما تبقى من الدول الافريقية الخمس والخمسين قد أرسلت وفوداً مثلتها.
ثم جاءت قمة سانت بطربسبرج والتي كانت تسعى لتوسيع الشراكة السياسية والاقتصادية والعسكرية وقد حضرها 17 رئيس دولة وممثلين لبقية دول القارة وقد جعلت هاتان القمتان أفريقيا منفتحة على التعاون الاقتصادي مع روسيا والصين والهند وتركيا ودول الخليج واليابان في اطار علاقات مبنية على الندية والتعاون بدلاً عن الاعتماد التاريخي على أوربا المتخصصة في نهب خيرات الشعوب في إطار علاقات اتسمت بالفوقية والدونية وقد تم التركيز في تلك القمتين على التعاون العلمي والتكنولوجي وهذا له بعده السياسي والاقتصادي الذي ربما يمثل امتداداً تاريخياً جسده العديد من القادة الأفارقة ذوي الارتباط بروسيا والذين درسوا في جامعات متخصصة مثل جامعة الصداقة مع الشعوب التي سميت باسم جامعة باتريس لومببا تخليداً له كأحد زعماء التحرر الأفريقي الإشتراكيين ثم عادت إلى اسمها الأول عقب سقوط الإتحاد السوفيتي وهي تضم حالياً 13 كلية و7 معاهد و33 مركزاً بحثيا وبها 26 الف طالباً وطالبة يمثلون 140 دولة .