أخر الأخبار

رسائل مهمة تحملها تداعيات الأزمة في النيجر

الخرطوم الحاكم نيوز وكالات

لا تزال ظاهرة تنحية الرؤساء تهدد بلدان القارة الإفريقية، خاصة الدول الواقعة في منطقة غرب ووسط القارة التي شهدت منذ عام 2020، محاولات عدة لتنحية الرؤساء عن الحكم بالقوة وقد نجح بعضها وفشل البعض الآخر، ولعل محاولة تنحية الرئيس محمد بازوم، التي وقعت فجر الـ 26 من يوليو 2023، وقام بها بعض جنود الحرس الرئاسي الجمهوري في النيجر، خير دليل على ذلك، حيث إن الجنود المكلفون بحماية الرئيس “محمد بازوم” هم من قاموا باحتجازه داخل القصر الرئاسي بالعاصمة نيامي، وهو الأمر الذي قوبل بتنديد واسع على الساحتين الإقليمية والدولية، إذ طالب المجتمع الدولي بضرورة وقف محاولة ضرب استقرار مؤسسات الدولة وإعادة السلم والاستقرار للدولة الواقعة غرب إفريقيا.

وبعد إغلاق حدود النيجر البرية والبحرية وفرض حظر تجوال على مستوى البلاد ومحاصرة القصر الرئاسي ومبني الإذاعة والتليفزيون، خرج مجموعة من العسكريين في بيان عبر التلفزيون الوطني مساء 26 يوليو الجاري، وأطلقوا على أنفسهم “المجلس الوطني لحماية الوطن” ((CNSP، وتلاها رئيس المجلس، العقيد “أمادوا عبدالرحمن”، الذي كان جالسًا إلى جانب تسعة ضباط آخرين، وأعلن بدوره عن الإطاحة بنظام الرئيس “محمد بازوم”، قائلًا، “نحن، قوّات الدفاع والأمن، المجتمعين في المجلس الوطني لحماية الوطن، قرّرنا وضع حدّ للنظام الذي تعرفونه بسبب تدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة”، زاعمًا أن تحركهم ضد النظام الحاكم يأتي بسبب استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية بل والاجتماعية في البلاد. وأضاف البيان، أن المجلس يعلق عمل جميع مؤسسات البلاد التي ستكون تحت تصرف قوات الأمن والدفاع، بل ووجه دعوة خاصة إلى شركاء النيجر في الخارج لعدم التدخل فيما يحدث داخل البلاد.

وفي ضوء ما تقدم، فإن هذا التحليل، سيسلط الضوء على دوافع محاولة تنحية الرئيس “بازوم”، وأبرز ردود الفعل ودلالات التوقيت، وصولًا إلى التداعيات التي ستخلفها هذه الأزمة، وذلك على النحو التالي:

دوافع الأزمة:
(*) تخوف الحرس الرئاسي من الإطاحة بقائدهم” تشياني”: إن عملية عزل رئيس النيجر ليست مفاجئة، حيث يتم الاستعداد لها منذ تولي الرئيس “بازوم” (أول رئيس عربي بالنيجر) حكم البلاد في فبراير 2021 بعد انتخابات ديمقراطية، حصل بموجبها على 55% من الأصوات، حيث إنه قبل أيام قليلة من مراسم تنصيبه مطلع أبريل 2021، فقد شهدت البلاد محاولة أخرى لعزل “بازوم” بعد شهر من إعلان فوزه بالسلطة، ولكنها استمرت يومين فقط، وتم التصدي لها، وقيل أن وراءها نقيب في القوات الجوية يدعى “ساني جوروزة” الذي أُلقي القبض عليه، ووجهت أصابع الاتهام وقتها إلى الحرس الرئاسي وتحديدًا لقائده الجنرال “عمر تشياني” (أحد أبرز المقربين من نظام الرئيس السابق “محمدو يوسفو”) الذي أوكل إليه مهمة قيادة الحرس الرئاسي في 2011، ولذلك هناك احتمالات تفيد بأن “تشياني” وراء المحاولة الجارية لعزل الرئيس “بازوم”، لتخوفه من الإطاحة به من قبل رئيس البلاد الذي يسعى للتخلص من خصوم سلفه السابق لمنع حدوث صدام عسكري داخل البلاد، وذلك بعدما كشف عدد من الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي بالنيجر، خلال الأيام الماضية، أخبار تفيد بأن “بازوم” يسعى لإقالة “تشياني” وتنصيب الجنرال “محمد تومبا” بدلًا منه.

th
إبان النسخة السابعة من منتدي “داكار الدولي” حول السلام والأمن في إفريقيا، بأن منطقة الساحل الإفريقي تشهد صعودًا للجماعات الإرهابية وينبغي دعم المجتمع الدولي للتصدي لما سببته تلك التنظيمات في وضع فوضوي بمنطقة الساحل، ولذلك بعد أن سحبت فرنسا قواتها من مالي بسبب توتر علاقاتها مع المجلس العسكري هناك، ونقلتها إلى النيجر، بل وأعربت عن مساعيها لتدشين “قاعدة جوية” بالعاصمة نيامي، وفقًا لما أعلنته صحيفة ”لوموند“ الفرنسية في يوليو 2022، إن “فرنسا ستنقل المعدات اللوجستية لعملية ”برخان“ من مالي المجاورة إلى النيجر، لإقامة قاعدة جوية به”.

رئيس البلاد على ممتلكات حزب “بازوم”، ورفع البعض الأعلام الروسية ورددوا شعارات مناهضة لفرنسا ومؤيدة لموسكو، وقال بعضهم، نريد نفس الشيء كما في مالي وبوركينا فاسو.. نريد أن نأخذ مصيرنا بأيدينا”.

للرد على بيان الجيش صباح اليوم 28 يوليو الجاري، بالقول إن عملية تنحية الرئيس “بازوم” ليست نهائية وأن بلاده تأمل في استجابة القوى العسكرية بالنيجر الذين يحتجزون رئيس البلاد المنتخب إلى الدعوات الدولية للعودة إلى الحكم الديمقراطي.

(#) زيادة التمدد الروسي بمنطقة لساحل: في حال نجحت محاولة تنحية الرئيس “بازوم” وسيطر الحرس الرئاسي والجيش على حكم البلاد بعد توقيع الرئيس “بازوم” على وثيقة الاستقالة، وخروج القوات الفرنسية من أراضي النيجر على غرار ما فعلت بمالي، ومن ثم خسارة باريس لآخر حلفاؤها في منطقة الساحل والصحراء بعدما خسرت حلفاؤها في إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو، في هذه الحالة ستكون الفرصة متاحة أمام روسيا للتمدد في منطقة الساحل والصحراء، وهو وما نجحت فيه قوات “فاجنر” الروسية خال السنوات الماضية، إذ استطاعت أن تتواجد بشكل فعلي في حوالي عشر دول إفريقية، وربما تصبح النيجر، الدولة القادمة، وهو ما سبق وحذر منه الرئيس “بازوم” في تصريحات له أواخر مايو الماضي، نشرها موقع الرئاسة النيجرية على حسابها بموقع “إكس” (تويتر سابقا)، إذ اتهم مجموعة فاجنر الروسية بالوقوف وراء الترويج لشائعات وقوع محاولة لتنحية الرئيس في النيجر، وأكد بأن “فاجنر” تسعى لتجنيد ما أطلق عليه “حصان طروادة” في النيجر لصالحها، وأضاف بأن الدولة حددتها واعتقلت أحدهم وهو زعيم حزب سياسي صغير (وفقا لقوله).

(#) تحركات إفريقية للوساطة في النيجر: قد تدفع الأزمة الجارية في النيجر بعض الدول الإفريقية إلى التوسط لاستعادة النظام الدستوري الديمقراطي في الدولة الواقعة وسط إفريقيا، نظرًا لأن استمرار هذه الأزمة سيؤثر سلبًا على الأمن والاستقرار بمختلف بلدان القارة، وهو الأمر الذي دفع رئيس بنين “باتريس تالون” مساء 26 يوليو الجاري، للتوجه إلى النيجر، في محاولة للوساطة وإقناع الحرس الرئاسي وخاصة “الجنرال تشياني” بتسوية الأوضاع في البلاد والحفاظ على النظام الديمقراطي في هذا البلد الإفريقي.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن محاولة تنحية رئيس النيجر “محمد بازوم” تعكس تعقد المشهد ليس فقط داخل النيجر ولكن بمختلف دول الساحل الإفريقي، نظرًا لأن نجاح هذه المحاولة خاصة بعد إعلان الجيش بالنيجر دعمها لمنع حدوث “اقتتال داخلي”، يعني دخول هذا البلد والدول الإفريقية المجاورة لها في دوامة من العنف والإرهاب بل واستمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بهذا البلد، إضافة إلى مزيد من التدخلات الخارجية، لكون هذا البلد يتمتع بثروات هائلة، فالنيجر تحتوي على عدد هائل من مناجم الذهب، فضلا عن امتلاكها لاحتياطي من النفط يبلغ قدره حوالي 320 مليون برميل، وفي ضوء ذلك، ينبغي تكثيف التحركات الدولية والإقليمية لدعم استقرار النيجر على الأصعدة كافة السياسية والاقتصادية والأمنية، خاصة بعد إعلان وزير خارجية النيجر “حسومي مسعودو” صباح 27 يوليو الجاري، نفسه رئيسًا للحكومة بالنيابة، مؤكدًا أن حكومة الرئيس “بازوم” هي “الحكومة الشرعية”.

القاهرة الإخبارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى