أخر الأخبار

تأملات – جمال عنقرة – قمة القاهرة .. قبل أن يضيع الدرب في الماء

أقول للذين يسألون عن إصراري ابتدار عناوين مقالاتي ب”قمة القاهرة” أقول أصر علي ذلك ليس فقط لأنها القمة الأخيرة والأهم التي تعقد لبحث الأزمة السودانية ودروب حلها، لكنني أفعل ذلك أولا لأنها الأشمل، والأكثر مخاطبة لعمق الأزمة السودانية، بما جعلها الأقرب للوصول إلى حل آمن وشامل ينال رضاء أهل السودان كلهم تقريبا، أو علي الأقل الغالب الأعم منهم، ثم أن دول جوار السودان السبع الذين احتضنت العاصمة المصرية القاهرة قمتهم الخميس قبل الماضي هم الأكثر اثرا وتأثرا علي الأزمة السودانية وبها.
أما الذين يسألون عن تفضيلي اسم “قمة القاهرة” علي اسم “قمة دول جوار السودان” رغم أن الإسم الأخير قد يبدو أكثر شمولا، فأقول لهؤلاء رغم إحترامي وتقديري لدول جوار السودان كلها، لكنني لا أجد حرجا في أن أقول أن كل دول الجوار “كوم” ومصر التي اخترت عاصمتها القاهرة رمزا لها “كوم” ويكفي القاهرة أنها أول مدينة في العالم بعد العاصمة السودانية الخرطوم يسكنها سودانيون، والقاهرة وحدها من دون دول العالم كلها تستضيف أكثر من مائتي ألف سودانيا شردتهم الحرب اللعينة، ولا أقول لا توجد مدينة، ولا دولة في العالم، بل لا أجد قارة في العالم استقبلت من السودانيين الفارين من الحرب مثلما استقبلت القاهرة، هذا فضلا عن ملايين السودانيين الذين يعيشون في مصر مواطنين أصلاء، معززين، مكرمين، لهم ما للمصريين من حقوق وواجبات، وعليهم ما عليهم.
ثم نأتي لموضوع المقال، ونبدأ من عنوانه، وهو مستوحي من مثل سوداني شعبي، واظنه من أمثال أهل دارفور يقول “درب ودر في ألمي” أي أن الدرب ضاع في الماء، وهو يصف حال الذي يقص أثر هارب أو تائه، فيتتبعه خطوة بخطوة، حتى إذا ما دخل الأثر ماء موجود في الطريق ضاع علي القصاص، فيصعب عليه تتبعه بعد ذلك، حيث لن يعرف المكان الذي خرج به من الماء ولا الإتجاه الذي سلكه.
وكما تابعت، وتابع الناس كلهم أن قمة القاهرة حظيت باهتمام ومتابعة شديدين، ورحبت كل القوي السياسية السودانية ببيانها الختامي، ورحب أهل السودان كلهم تقريبا بالبيان الختامي الختامي الذي صدر عن القمة، إلا أن ذات الناس الذين رحبوا ببيان قمة القاهرة، وعلقوا عليها امالا عراض، ساءهم كثيرا ضعف خطوت مبادرة قمة القاهرة، وتقدم خطوات مبادرات أخري لا يرون فيها ذات الخير المخبوء في ثنايا قمة القاهرة لدول جوار السودان، فكان علي الأقل تحديد موعد اجتماع لجنة التنفيذ التي تتكون من وزراء خارجية دول الجوار وتحددت تشاد مكانا لاجتماع وزراء خارجية دول الجوار السبع.
مؤتمر القاهرة لدول جوار السودان وضع أزمة بلدنا في مسارات حلها الصحيحة، خصوصا محاورها وقضاياها الرئيسة، مثل اعتبار القضية شأنا سودانيا لا تجوز فيه التدخلات الأجنبية، ووقف إطلاق النار، والعملية السياسية، ومعالجة آثار الحرب الكارثية، وهذه القضايا وجدت تجاوبا كبيرا من كل أطراف القضية السودانية، فإذا لم تسرع الخطي، سوف تكون قضيتنا متاحة لمساعي الاختطاف التي تنشط بشدة هذه الأيام، وكلها تقود إلى ما لا يحمد عقباه.
فلابد أن تتحرك مبادرة القاهرة في كل الاتجاهات قبل أن تفقد الإتجاه، ونفقد أكبر فرصة للحل الآمن، وأول مطلُوبات هذا التحرك العاجل تحديد موعد قريب جدا لاجتماع الآلية الوزارية في تشاد، لبدء الإجراءات التنفيذية للمبادرة، وكما هو معلوم أن أول مرتكزات مبادرة القاهرة هو أن أزمة السودان شأن داخلي لا يجوز فيه التدخل الخارجي، وأن الحل بيد السودانيين أولا وأخيرا، ومعلوم أن كثيرا من المبادرات الأخري تقوم علي التدخل الخارجي، وكان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني السيد مالك عقار قد وصفها بأنها إلى تهدف احتلال السودان.
المسألة الثانية المهمة هي وقف الحرب، وكانت قمة القاهرة قد نادت به، ووافقت عليه الحكومة السودانية بشرط موضوعي جدا هو خروج قوات الدعم السريع من كل الاعيان المدنية، سواء كانت ملكية خاصة أو عامة، أهلية أو حكومية، وهذا ما يرجوه وينتظره كل أهل السودان.
المسألة الثالثة هي العملية السياسية بعد وقف الحرب، ونادت قمة القاهرة بأن تكون شاملة لكل مكونات السودان بلا عزل ولا تمييز ولا إقصاء، والقاهرة مؤهلة لذلك، لأن هذه هي قناعة أهل مصر رواد المبادرة، ولأنهم موصولون بأهل السودان جميعا، ومقبولون لهم، وغيرهم علي عكس ذلك تماما، وبحمد الله يوجد هذه الأيام في مصر عشرات من القيادات السياسية والعسكرية والمجتمعية السودانية المؤثرة، من كل الاتجاهات والتيارات، وكلهم مباركون ومرحبون بمخرجات قمة القاهرة، ومؤمنون بأن الحل الشامل لابد أن يشارك فيه أهل السودان جميعا بلا عزل ولا إقصاء.
المسألة الرابعة المهمة هي معالجة آثار الحرب، ومعلوم أن دول الجوار، وفي مقدمتهم مصر هم الأكثر تاثرا بالحرب في السودان، والأقوي تأثيرا علي امتصاص صدماتها، ومعالجة آثارها السالبة، وهذا أمر نعود له في مقال منفصل بإذن الله تعالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى