أخر الأخبار

مبارك اردول يكتب: كيف أسس الخطاب السياسي للحرية والتغيير المجلس المركزي للحرب في السودان؟

الخرطوم الحاكم نيوز

مبارك أردول

فحوى الخطاب :

عقب توقيع الاتفاق الإطاري في الخامس من كانون الأول ديسمبر 2022م وقبل إندلاع الحرب ساد خطاب سياسي موحد من قادة قوى المجلس المركزي شرعن للحرب الجارية الآن او قل مهد لقيامها ومنح مشروعية لاحد أطرافها من التحضير لها، والخطاب كان محتواه المنطوق والمترجم في نصوص الإتفاق الإطاري وضع القوات المسلحة كمؤسسة دولة حديثة لها مشروعية احتكار أجهزة العنف، في كفة المساواة مع قوات الدعم السريع، وقد جاء هذا الخطاب غداة الجدولة الزمنية التي اقترحتها الحرية والتغيير المجلس المركزي كمواعيد لانهاء العملية السياسية وتشكيل حكومتها والتي كانت منفردة بها مع العسكريين.

وحيال احساسها بعدم قابلية المضي في الإتفاق والمواعيد كما خططت لها، لوحت كتلة المركزي بشكل واضح ان في حال الفشل في تطبيق الاتفاق الإطاري وتكملة مواعيده سيكون لهم خيارات اخرى، وبل بشكل اكثر وضوحا سيكون البديل هو الاتجاه نحو الحرب! حد قولهم.

والكل يعلم أن الطرف الذي كان يرى ضرورة أن لا يكون الاتفاق الإطاري بهذا الشكل من المعالجة المقترحة لقضية الإصلاحات الأمنية وكذلك السياسية هي القوات المسلحة، ورؤيته كانت مختلفة عن الطرح المتطابق بين المركزي والدعم السريع، كان الاثنين الاخيرين يسعون لفرض الاتفاق الإطاري بأي ثمن، وفي حال تعذر ذلك لم تجنح قيادة المركزي كقوى مدنية لطرح اي خيارات سياسية مثل الاحتكام للجماهير بالاستفتاء او اعلان الانتخابات المبكرة او مؤتمر حوار وطني شامل كعملية سياسية بديلة او غيرها من الخيارات المدنية السلمية، بل قالت بوضوح الخيار هو الاتجاه نحو الحرب!! فلم ينحو عقلها سوى المضي لإيقاظ مارد الحرب وشيطان الدمار ليحل بديلا لما تطرحه من اتجاه سياس، منح هذا الخطاب الضوء الأخضر لحليفها العسكري من الاستعداد والتحضير للخيارات البديلة.

لذلك لربما يستغرب او يسخر البعض من ادعاء قائد الدعم السريع من إنه يقاتل من أجل الديمقراطية والحكم المدني رغم تاريخه السياسي وطابع قواته وتكوينها، فهذه المقولة نابعة من التفويض والخيار البديل الذي نادى به قادة المركزي وشجعته ومنحته الغطاء السياسي للتحرك العسكري. والان بعد نظرها بأن الحرب تسير في اتجاه غير الذي كانت تتوقعه والحاسم خلال ساعات، تسعى جاهدة لوقف الحرب والعودة لنفس مسار اتفاقها الإطاري الدموي، وكانها تقول ها قد رايتم خياراتنا البديلة فماذا انتم قائلون ؟ سنبادلكم الاستقرار ووقف الحرب مقابل القبول باتفاقنا الإطاري!.

خلفية القوات التي تقاتل لصالح الإتفاق الإطاري:

هذه القوات هي قوات الدعم السريع كانت قد كونتها قيادة نظام الحركة الإسلامية بقيادة المشير عمر البشير والفريق عوض بن عوف والفريق طه عثمان الحسين واللواء عبدالغفار الشريف ووزير الدفاع الأسبق عبدالرحيم محمد حسين، إنشئت من نظام الحركة الإسلامية إبان حربها لوقف تقدم قوات المعارضة في الجبهة الثورية اثناء عمليات ابوكرشولا 2013م، ومنحتها السلاح والرتب والتنظيم بل أجازت لها قانون خاص صوت له كل نواب الحركة الإسلامية وحلفاءها بنسبة مائة بالمائة في بربمان 2017م الذي كان على رأسه الفاتح عز الدين.
أنشت هذه القوات لسببين لحماية نظام البشير الاخواني من تقدم القوات الثورية وكذلك لعدم ثقتها في القوات المسلحة باعتبارها قوات مهنية لا ينطلي عليها الصبغة الايدلوجية السياسية كاملة، قوات الدعم السريع اقرب في تشكلها لقوات الحرس الثوري الإيراني او كتائب فدائي صدام، حيث منحت كل الامتيازات المالية واللوجستية والعسكرية خصما على القوات المسلحة، بل شاركت حتى في مهام خارجية بشكل منفصل، واصبحت مثل قوات النخبة الخاصة بقصر البشير، يحركها كيفما يشاء، ولاي مهمة.

تركيبة هذه القوات في الأصل مكونة من مليشيا قبلية، منحت الرتب العسكرية الرفيعة دون تدرج او المعايير العسكرية الصارمة المعمول بها في الجيوش المهنية، كانت صلة القرابة او العلاقة مع قائدها (الذي بداء برتبة العميد) يحدد الرتبة التي تمنح والمهمة التي تؤكل اليك، لذا ليس مستغربا ان يلاحظ الجميع إن هيئة قيادتها مكونة من أسرة واحد بل القائد العام شقيق لقائد ثاني هذه القوات، وهكذا.

خطاب مباهي شرعن للثنائية :

قد باهى الخطاب السياسي للمجلس المركزي بعدد وعتاد الدعم السريع وعلاقاته السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية وأشار لصعوبة دمجه مما أعطى رسالة بأنها مؤسسة موازية وثنائية ورسخ الخطاب في عقلية قادته بأن بقاءهم جنبا الي جنب مع القوات المسلحة أمر لا مساومة فيه ورفع من سقوفاتهم، دون الإنتباه الي أن تصدير مثل هذا الخطاب يساعد على إغلاق المجال السياسي ويأطره نحو مسار وحيد بل يجله الأطراف تتسابق للإستعداد للمضي فيه.

لم نرى سوى خطاب ينذر بالمواجهة والحرب بمافيها خطاب رئيس البعثة الأممية السيد فولكر بيرتس الذي أشار الي ان المواجهة واردة، فقد إنحنى هو أيضا لصف قارعي طبول الحرب مخالفة لتفويض بعثته التي جاءت من أجل تقديم المساعدات الفنية للإنتقال الديمقراطي في السودان .

التوقيع المشترك على الاتفاق الإطاري:

زاد أمر قضية المعاملة المتساوية تعقيدا بين القوات المسلحة والدعم السريع واخرجها للعلن هو التوقيع المشترك على الإتفاق الإطاري بين قائدها كطرف بجانب القائد العام للقوات المسلحة، والقوى السياسية التي صاغت الإتفاق الإطاري، (ملحوظة: لا يجب أن يفهم حديثنا بانه يندرج في مقام التقليل من شأن الأفراد أو تقديس أحداهما) وإنما محاولة لوضع المسميات في مقامها الصحيح، فهذا التوقيع منح قضية المساواة في الإطار القانوني والدستوري كان سيتوج بالتوقيع النهائي الذي لم يحدث بسبب معارضة هيئة قيادة القوات المسلحة.

التلويح بقضية الدمج والعمل ضده :

في الوقت الذي كان يجب أن ينصب الحديث عن دمج الدعم السريع بمدة قصيرة في القوات المسلحة وانهاء لأي شكل من أشكال التشكيلات العسكرية خارج المؤسسات الرسمية للدولة وتحقيق جيش وطني مهني واحد كجزء من الاصلاحات المطلوبة في سودان ديمقراطي بعد سقوط نظام الحركة الاسلامية، وإزالة لكل التشوهات التي خلقتها في الجانب العسكري والسياسي بغية المضي قدما في عملية التحول الديمقراطي، وجدنا العمل كان على النقيض تماما كان العمل يجري على قدم وساق لشرعنة وجود هذه المؤسسة كمؤسسة موازية بدلا عن دمجها، ومنحت (بقدرة قادر) مهام حماية الديمقراطية والحكم المدني، بدلا عن حماية نظام البشير والحركة الاسلامية وفقاً لأمر تأسيسها سابقا والتي لم تقوم به وانقلبت عليه ووضعت البشير في السجن بعد أن كان يظن إنه حمايته (حمياتي).

لوحظ تضاعفت قوات الدعم السريع منذ العام 2019م من أقل من ثلاثين ألف الي أكثر من مائة ألف جندي ينتشرون في طول البلاد وعرضها ويتمددون في علاقات خارجية بسبب الحرب في اليمن، فبدلا عن تقليصها وهو أحد الأخطاء الإستراتيجية والمضي نحو خلق جيش وطني واحد نسبة لتوقيع سلام جوبا وإنتفاء مشروعية بقاءها منفصلة بل إزدادت عدة وعتاداُ وأصبحت خارج سيطرة قيادة القوات المسلحة، لذلك فرضية أطماعها للحكم منفردة وسعيها لتكون الجيش البديل أقرب الي أي حديث عن التزامها بالديمقراطية والحكم المدني والدمج في الجيش الوطني الواحد، بل مسألة إلتزامها بالديمقراطية مثل مسالة إلتزامها السابق بحماية نظام البشير، وأي حديث عن محاربة نظام الكيزان ما هو الا زر للرماد في العيون، وحديثهم عن الإصلاح كشرط ضمان الإدماج في القوات المسلحة يبدوا ظاهره وجيها ولكن جوهر هو تعقيد واستحالة لعملية الدمج بل الصيغة وفق وجتهم هي دمج الجيش في الدعم السريع.

وقع خطاب شرعنة الدعم السريع على القوات المسلحة :

صور خطاب المجلس المركزي القوات المسلحة كجزء ضعيف لايملك قرار ولا علاقات سياسية أو أقتصادية بل رسخ الخطاب في الذهن بأنها مؤسسة مختطفة و مخترقة من الحركة الإسلامية وهي نفسها التي إتهمتها الحركة الإسلامية سابقا بعدم الولاء لها مما حدى بها الحال لتأسيس قوات الدعم السريع كقوة مناوئة لها، وقامت بتقويتها على حساب القوات المسلحة والتي كانت تفككها وتتخلص منها تدريجياً لولا سقوطها.
ولذا عدد كبير ممن لا يرون سرعة في حسم المعارك الان يرجع سببه لأن الجيش مورس ضده سياسة ممنهجة من قبل نظام الحركة الاسلامية أضعفته وكادت تفككه بغية التخلص منه لصالح هذه القوات البديلة.

ولان تاريخ تكوين القوات المسلحة سابق للحركة الإسلامية وإن الدعم السريع هو صنيعتها لذلك أثر هذا التفضيل على المدى البعيد على تشكيل القوات المسلحة، والتي نرى من الضرورة بمكان دعمها وحمايتها في هذه المعركة ليست ولاءاً لأفراد وإنما حفاظا على تماسك الدولة وإصلاحاً للخطأ السابق الذي ساهم فيها من أسس قوات الدعم السريع ومن مكّنها وسمح لها بالتمدد حتى تمردت على القوات المسلحة وحاولت تلتهمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى