الفيل والظل وآخر الأوراق — سيف الدين البشير – أقلب الصفحة .. فقرة جديدة

حقبة الرئيس الراحل جعفر نميري مثلت آخر الفترات التي وقفت خلالها البلاد ترد غائلة التدخل الأجنبي .. وما ميز تلك الحقبة أنه لا تسامح مع أي مسعى للتدخل من أينما جاء. أما ما لحق ففي غالبه أن يُردُّ تدخلٌ ليستبدل بتدخلٍ آخر أقبح .
ولقد مثلت الحقبة الحمدوكية القميئة فتح البلاد على مصراعيها لكل أشكال التدخل ، بل وشطب مصطلح الخيانة العظمى من القاموس السياسي . والحديث عن حقبة ذلك الكائن الهش يجر تلقاءً لأرباب نعمته من الإطاريين والقوى – أكرر القوى – الإقليمية الطامعة في إنهاك البلاد ، والتي قد تختلف استراتيجياتها لكنها تجتمع عند هدف تركيع السودان مبلغ وضعه تحت الوصاية الدولية . اقول قولي هذا ولقد قعدت نفسي لسنواتٍ أذاكر وثائق تلك الدول الإقليمية ووضاعة مواقفها مع البلاد ، حتى التي يشاع عن جهلٍ أن لها علاقات طيبة مع الحكم السابق .
ولقد مثل حراك البرهان في الخامس والعشرين من اكتوبر رعباً حقيقياً لدى تلك المعسكرات ، وتعجلت أن تردع ما حدث بحيث تجبه عبر وثيقة المحامين وتابعها الإطاري ، بنية أن تنقض مرة والى الابد على أي تطلع لسيادة البلاد ، وحشدت أولياء نعمتها من ترويكا وثلاثية ورباعية عبر سلاسل من الإرهاب الفكري . وحتى يتكامل المخطط انتبهت أنه بحاجة لاسناد عسكري ووجدوا في حميدتي ضالتهم عبر العصا والجزرة .. الترغيب والترهيب وأذعن الرجل ، مبلغ أن تجاوز الحدود في تقمص دور هو أكبر منه ، واستلف كل قواميس عرمان وقبيله في وقاحةٍ وتطاولٍ لم يراع الجيش كمؤسسة قومية ولا رئيسه بفرضية أنه رئيس البلاد . ثم أمعن مستعدياً عليه الصف المحافظ شاملاً الادارات الأهلية والطرق الصوفية والقطاع الوطني ، بصوتٍ ملكيٍ أكثر من الملك .
وبالنسبة لكفلاء الخارج وأبواق الداخل فلم يكن من حرجٍ أن يوضع الرجل قرباناً تحت شعار : “يا خابت يا جابت” .
مرةً أخرى أعود لكبار الإقليم اقتصادياً لأقرر أن غياب أو تغييب الخبراء المتخصصين في مرامي تلك الدل تجاه السودان ، شاملةً الوسائل والأحابيل من مال وعملاء وابتزاز ، وتأليب المربع الغربي ؛ أمريكا وبريطانيا وفرنسا والنرويج ، مع غياب المراكز الاستراتيجية ظل يعمي على تأثيراتها السالبة على البلاد اقتصادياً وسياسياً ، ما منح هذه الدول سوانح التفرعن عبر عملاء لها من رجال أعمال وسياسيين واعلاميين اصبحت حاضنتهم وممولهم وأصبحوا مسبارها الذي تغزو عبره على كل صعيد .. أما بعض الإعلاميين وبعض وسائل إعلامنا فقد استمرت في صمتها المريب وغض الطرف عن ذلك المعول الخطير الذي يمضي قدماً في ضعضعة المكون الصلب للبلاد . وتظل القوى الداخلية الخوارة تمثل الأداة الماحقة التي تعاين الفيل في مستودع الخزف لتصوب على ظلاله الباهتة في ابتذالٍ راعش.
وليس من سانحة أوفق من عزمات الجيش الماثلة لقطع دابر شطط حميدتي وأطماع شركائه ليس لحسم القوة المتمردة وحسب ؛ بل أن الجرح لن ينال البرء دون حسم المثلث الإقليمي الذي استمرأ بيع الجمل المكرورة المعسولة مقابل الخطط الماكرة الخبيثة المتطاولة لتدمير السودان .. والسانحة أمام الجيش وقيادته أن تستل سيف الفعل في وجه تلك الدول لتتعامل وفق حكمة ؛ آخر العلاج الكي ، وعبر منطقٍ جهيرٍ يقرأ ؛ أرفعوا أيديكم عن بلادنا وإلا فسوف نقطعها من الكتف لا من الكف فحسب .
عند هذا الحد لن يكفي البلاد الشرور أن تنهي أسطورة حميدتي ، بل أن الأوجب اليوم قبل الغد ، إنهاء أطماع هؤلاء والا فسوف تستمر محاولاتهم لصناعة أكثر من حميدتي وعرمان ولن يشبع الذئب أو تفنى الغنم ..
هذا كتابي إليكم والنذير لكم
لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا
تلك دعوة للتأسي بلقيط الأيادي قبل مرحلة ندب دريد الصمة ..

Exit mobile version