بُعْدٌ .. و .. مسَافَة – مصطفى ابوالعزائم – إنتبهوا للثورة القادمة ..

لا ينكر إلا مُكابرٌ أن ما حدث في السودان منتصف ديسمبر من العام 2019م ، كان ثورةً حقيقيةً ، ثورة قوامها الشباب ، وقد كانت خالصة لهم ، إذ قدموا فيها أرواحهم دون خوف أو وجل وبدون تردد ، لذلك فاق عدد الشهداء الثلاثمائة شهيد نسأل اللهم لهم القبول والمغفرة والرحمة .
نعم كانت ثورةَ جيلٍ كاملٍ ، إنتفض على الجيل الذي سبقه والذي إحتكر السلطة بعد أن ورثها عن آخرين إحتكروها سنين عدداً ، وقد وجد الجيل الثائر نفسه بعيداً عن خارطة الحكم والتخطيط والتنفيذ ، وظل الحاكمون مثلما كانوا منذ الإستقلال ، يتعاملون بأبوية سياسية تجاه من يحكمون ، وهي أبوة لا يعترف بها جيل الشباب من المحكومين ، لذلك خرجوا شباب وفتيات لم يقبلوا إلا بأن تتم ترجمة هتافهم الأعلى _ تسقط بس _ إلى واقع ملموس دون النظر إلى ما بعد السقوط .
سقط النظام السابق ، وتمت تعبئة الشارع السوداني الشاب ضده تعبئة سالبة جعلت عقلاء النظام السابق لا يفكرون مجرد التفكير حتى في مقاومة المد الثوري الجبار ، ولا يعملون على إبداء أي مقاومة للثورة والثوار ، ولعبت القوات المسلحة السودانية وبقية القوات النظامية دوراً عظيماً سجله لها التاريخ في الحفاظ على وحدة البلاد وحماية حدودها وصيانة حقوق المواطن السوداني فيها ؛ مجنبةً الوطن والمواطن مغبة الإنزلاق في مهاوي الفوضى .
جاءت الحكومة الإنتقالية الأولى بعد مخاض ، وبعد شدٍّ وجذب ، وبدأت المحاصصات وإستعراض القوة ، والضغط عن طريق الشارع ، ولم يعد هناك مَنْ يسعى لإتخاذ القرار _ أي قرار _ إلا إذا تحسّب لكل إحتمالات ردة فعل الشارع ، الذي أصبح ( على الهبشة ) بعد أن أصبح معبأً بحيث لا يقبل إلا ما يرى أنه حق .
ثم جاءت الحكومة الثانية دون تغيير يذكر إلا في الشخوص ، وجاءت مفاصلة الخامس والعشرين من أكتوبر قبل عام لتصحيح المسار ، وإستبشر المواطنون خيراً ، ولكن ثورة الشباب لم يخمد لهيبها بعد ، فالدماء الحارة ما زالت أنفاسها (حارّة) وفي هذا ضمان لإستمرارية الثورة وتواصل مدها الثوري ، لكننا نرى وميض نارٍ جديدة مشاعلها ليست في أيادي هؤلاء الشباب ، بل في أيادي آبائهم وأمهاتهم من الجيل الذي سبقهم ، ويتحمل الآن أعباء وتكاليف المعيشة ، وبعض أبناء ذلك الجيل من المعاشيين الذين لاتكفي مواردهم المالية المحدودة لتكلفة ومتطلبات العيش الكريم ليوم واحد . هؤلاء هم الذين سيثورون على الضّيق وعدم القدرة على الصّرف ، خاصةً وإنه لم يلُحْ في الأفق ما يبشِّر بإنفراج الأزمات المتتابعة والمتلازمة ، في الخبز والمواصلات ، وغلاء متواصل وإرتفاع مستمر في أسعار السلع بلا إستثناء .
الثورة القادمة نخشى أن يصعب على أي حكومة أن تصمد أمامها ، خاصة بعد الرؤى المهزوزة والخطاب السياسي الضعيف للسياسيين الذين يسعون إلى المكاسب الضيقة التي لا تخرج عن وجودهم على المسرح ، ولم يعودوا معنيين بالخدمات وتوفير المال اللازم لتسيير عجلة الإقتصاد و التنمية في البلاد ، فأصبحوا يتحدثون كثيراً عن كل شيئ إلا حياة المواطن الذي لا يرجو سوى توفير الأمن والعيش الكريم .
هذا الضعف في الطرح السياسي والأفق شبه المسدود لإيجاد حلول للأزمات المتلاحقة والمتناسلة نحسب أنه سيكتب نهايةً غير متوقعة لأي حكومة لا تهتم بشأن العيش الكريم والخدمات وأمن المواطن والوطن .

Email : sagraljidyan@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى