ابراهيم عربي يكتب :هارون إلي لاهاي ..!

الخرطوم الحاكم نيوز
تباينت الرؤي وإختلفت وجهات النظر داخل مكونات الحكومة الإنتقالية بشأن تسليم أحمد هارون للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قبل نهاية يوليو المقبل من العام الجاري ، فيما رحبت المدعي العام للمحكمة فاتو بنسودا بطلب أحمد هارون لتتم محاكمته سويا مع المتهم علي كوشيب الذي تجري محاكمته الآن هناك قالت لإرتباط القضايا مكان الإتهام ، ولكن لماذا ترددت الحكومة الإنتقالية ولماذا طفح كيل الخلافات بين المدنيين والعسكريين ؟!.
ولكن ما هي الحجة المنطقية التي إستند عليها هؤلاء لتحول دون تسليم أحمد هارون فورا للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مادام الرجل متهم بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تستوجب محاكمته هناك ؟ لا سيما وأن مولانا أحمد هارون نفسه قد أصدر بيانا لدي استدعاءه من قبل النيابة ، وقد ظل الرجل حبيسا لأكثر من (عامين) دون تهمة ، قال مولانا إنه يفضل الذهاب إلي لاهاي للمثول أمام المحكمة هناك بدلا عن السودان ، رغم قناعاته الشخصية بإنها محكمة دولية مسيسة !.
لا أعتقد أن خطوة مولانا أحمد هارون تلك تأتي من فراغ  ، لا سيما وأن الرجل نفسه كان قاضيا وينتمي للجهاز العدلي في البلاد ، ولكن لماذا فقد مولانا هارون هذه الثقة في القضاء والعدالة في السودان؟! ، وهل إتهاماته للعدالة في البلاد بالتسييس صحيحا أم مجرد تصعيد ام خطة قصدها الرجل ؟! وهل هارون بريئ حقا من تهم جرائم الحرب ؟ وقد أصبح متهما يلوك سيرته عوام الناس مما خصم من رصيده كثيرا، ولكن أيضا هل هارون عسكريا أم مدنيا وما علاقته بالعمليات الميدانية ؟ ، إذا ماذا يدور في خلد الرجل الذي قال عنه حميدتي (من أخطر قيادات المؤتمر الوطني ؟!) ، إلا أن أحمد هارون قال في بيانه أن حكومة الشراكة الإنتقالية لاتملك قرارها ! وسرد الرجل في ذلك عدة أسباب ومبررات وتحفظات في بيانه باللغتين (العربية وإنجليزية) !.
بلاشك نحن مع تحقيق العدالة والعدالة الإنتقالية ومع حقوق الإنسان وكرامته دون أي غرض آخر ، إنصافا للضحايا وإنصافا للمتهمين أيضا بعدالة لا تتأثر بالرأي الحكومي أو الرأي العام (المتهم بريئ حتي تثبت إدانته) ، وليست تلك مكان مساومات أو أجندات أو تقاطعات مصالح ، ونراها فرصة جاءت في طبق من ذهب لصالح فاتو بنسودا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية المنتهية ولايتها منتصف الشهر الجاري لتحقق بها نصرا لنفسها وللمحكمة الدولية التي ظلت تبحث عنها (17) عاما .
المتابع للمؤتمر الصحفي لبنسودا يجد إنها قالت لم تلمس أي ممانعة من المسؤولين بالحكومة الإنتقالية تحول دون تسليم مطلوبي المحكمة (البشير ، أحمد هارون ، عبد الرحيم محمد حسين) وبل هنالك من هو متحمس للتسليم ! ، إذا لماذا تأخر تسليم المطلوبين لمحاكمتهم في لاهاي ؟!.
لا سيما وأن بنسودا كشفت خلال زيارتها لدارفور وهي الأولى لها ، كشفت عن مطالب الضحايا بمعسكر كلمة في جنوب دارفور وغيرها بتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية ، وقالت إنه يمثل إحدى المهام الأساسية التي وصلت من أجلها شخصيا للسودان ، ولكن لماذا فشلت بنسودا دون الوصول لمعسكر الحميدية والحصاحيصا وغيره في وسط دارفور وهل حقا هنالك دواعي أمنية تحول بينها والضحايا أم ماذا هناك ؟ ، لا سيما وأن النازحين هناك هتفوا ضد بنسودا وضد الحكومة بالولاية واتهموهما بإزدواجية المعايير!.
من الواضح أن بنسودا جاءت لتحقق نصرا إعلاميا لذاتها في هذا التوقيت قبيل إسبوعين من نهاية ولايتها ، وإلا لكانت شملت الزيارة الإستماع إلي كافة أسر الضحايا ولوقفت بنفسها أيضا علي حقيقة المقابر الجماعية والعديد من الشواهد والبينات والمعطيات التي ذكرها الشهود ، مع أن بنسودا إعتبرته أفضل الأدلة للمحكمة من أرض الواقع !، وقطعت بأن محكمتها قادرة على حماية الشهود ، ولكن لماذا لم تطلب بنسودا زيارة هؤلاء المطلوبين الثلاثة بسجن كوبر حتي تتأكد من وجودهم وتقف بنفسها علي أحوالهم وصحتهم ، لا سيما وأن ثلاثتهم متهمين أساسيين ضمن (خمسة) أعلنت عنهم المحكمة وربما ضمن آخرين لم تعلن المحكمة عن أسمائهم بعد !.
وربما لذلك جاءت تلكم الخلافات داخل الحكومة الإنتقالية ، لاسيما وأن إفادات الشهود في المحكمة أنفسهم أشاروا إلي تورط (الجيش والجنجويد وقوات نظامية وحركات مسلحة ومسؤولين حكومين وأهليين) ، وبالطبع إنها حرب لا تصرف فيها الورود بل الزخيرة (فإما قاتل أو مقتول) وقطعا هنالك فظاعات ، وبالتالي ربما تشمل تلك كافة قضايا الحرب في دارفور ، وربما أيضا تشمل القوات المتقاتلة في جنوب السودان .
وربما تتطور المحاكمات لتشمل قضايا الحرب في جنوب كردفان / جبال النوبة والنيل الأزرق والشرق وجميعها أرتكبت فيها فظاعات ، وبالتالي ربما تشمل كافة القوات المتقاتلة هناك من حركات مسلحة وقوات نظامية حكومية وغيرها ، ولا أعتقد إنها تتجاوز أحداث أبو كرشولا وأم روابة وأم درمان وشهداء شيكان وأم دبيكرات ومقتل المهدي والتعايشي وعلي دينار وغيرها من معارك التحرر بالبلاد ، وربما تشمل حتي مقتل غردون وهكس باشا إنها الحرب وبالطبع لها آثارها ومؤثراتها .
وليس ذلك فحسب بل لوحت بنسودا لقائمة (51) التي ظل يتداولها البعض مع التكهنات ، وقالت إنها مجرد قائمة يتم تداولها بمجلس الأمن ولكنها لا تعنيهم بشيئ في المحكمة ، غير أن المصادر كشفت أن المطلوبين الخمسة ضمن الذين وردت أسمائهم بالقائمة المسربة مما يؤكد صحة فرضية القائمة وربما هذا ما جعل القلق والشكوك تتسرب إلي قيادات عسكرية وسياسية  وقيادات في التمرد وأخري أهلية .
إذا ماهي السيناريوهات الممكنة ؟ هل تنجح الحكومة الإنتقالية في محاكمة هؤلاء المطلوبين داخليا بالمحاكم السودانية أم محكمة مختلطة (هجين) خارج الوطن أم يتم تسليمهم إلي لاهائ حسبما طالب هارون وطالبت أسر الضحايا أيضا ، أم ستظل الجهات المسؤولة تتمسك بقوانين النظام السابق والتي تجرم تسليم أي مواطن سوداني لتتم محاكمته خارج البلاد ، كما ظل يمانع الرئيس السابق البشير (ولا جلد كديس ما بنسلمو ..!) .
أعتقد أن الأوضاع في البلاد قد تغيرت وأصبحت تتقلب ذات اليمين وذات الشمال في ظل تضارب الأجندات وتقاطعات المصالح ، إذا مادام الامر كذلك لماذا لا يتم تسليم البشير وهارون وعبد الرحيم وثلاثتهم بقبضة السلطات ؟ ، مما تتخوف الحكومة الإنتقالية ومما يتخوف العسكريون ؟!.
الرادار .. الأحد السابع من يونيو 2021 . 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى