أخر الأخبار

دكتور عبد الوهاب همت يكتب : ميسرة محمد صالح :كان بدري عليك

قرأت نعياً أو إثنين ولكن عندما قرأت نعي الصديق ياسر عرمان تيقنت من الأمر وليتني ماتيقنت.
أسرة محمد صالح ذوالنون في حي النصر مربع ٨ تفرد كل واحد منهم بخصائص مختلفه أولها البساطه وحب الآخرين والود والإلفه والترفع عن الصغائر، لم أعرف أو أشاهد منذ فترة تجاوزت الاربعه عقود أن إشتجر أحدهم وخاصم او فجر في الخصومه. جمع بينهم الذكاء المتقد وسرعة البديهه ، والخفر والهدوء التهذيب وحسن الخلق وكلهم إنتموا الى ركب حركة التقدم والطليعه الثوريه وجينات الثورة مغروسه فيهم مولداً ونشأة.
والدنا المرحوم محمد صالح ذوالنون كان رجلاً موسوعياً متفرداً بسيطاً هاشاً باشاً تجده مستلقياً على سريره في الديوان يستمع الى الراديو وممسكاً بصحيفه أو كتاباً وعندما تدخل عليه ينهض من سريره كالطفل الصغير مصافحاً هاشاً باشاً حتى لو كان قد إلتقاك قبل نصف ساعه ، لمْ لا وهو الرجل المطلع المثقف الذي نهل من أمهات الكتب ، وكان والدنا محمد صالح ذوالنون طليعياً ثورياً إنضم للحركة التقدميه السودانيه عبر الجبهة المعاديه للاستعمار ( الحزب الشيوعي السوداني) وكان من مؤسسيها وسكرتيرها الاول في الجزيرة أبا وطيبه والقرى المجاورة.وقد عمل محاسباً في دائرة المهدي وبعد التأميم واصل عمله في مؤسسة النيل الابيض الزراعيه ( الاصلاح الزراعي).
أما والدتنا المرحومه كلتوم ابكر عبدالله الشهيرة بكلتوم بت البوستجي كانت إنسانه واعيه هادئه صبوره حد الإدهاش.
في مثل هذه الاجواء كان لابد لمثل هذه الاسرة أن تقدم أخوات وإخوه متفردين عفاف وإنتصار وكل منهن تكمل الاخرى وعياً وأدباً وثقافه.
ميسره الذي تقدمنا في سنوات الدراسه ، تقدم كل أقرانه في كل سنوات دراسته متفوقاً أكاديمياً والتي كللها بالتخرج من كلية الهندسة جامعة الخرطوم والتي قضى فيها ثمان سنوات رغم تفوقه المعروف وسعة أفقه ، لكنه فعل ذلك بتكليف من الجبهة الديمقراطية جامعة الخرطوم والتي كان أحد قادتها الحقيقيين ، كاتباً لصحيفة مساء الخير فقد إمتلك ناصياً الابداع خطاطاً ورساماً ومنظراً وعمل في كل الاتيام المساعدة حتى بعد تخرجه .
كان نحيلاً هادئاً حاد الذكاء تكاد تشفق عليه من نحافة جسده، وعقب تخرجه لم ينقطع عن العمل الوطني وقد عملنا سوياً في صحيفة الشبيبه التي ترأس تحريرها الراحل المقيم الخاتم عدلان وهي كانت الناطقه بإسم إتحاد الشباب السوداني متطوعاً مثابراً ملتزماً بإعداد صفحة الشباب والطلاب مع مجدي السر وازهري حميدة وآخرين.أتذكر جيداً عند سفر وفد الشباب السوداني في العام ١٩٨٦ للمشاركة في مهرجان الشباب والطلاب العالمي في موسكو كان أن احضر ميسرة كتاب كارل ماركس (( رأس المال)) باللغة العربيه هديةً لوالده. وعمل ميسره وهو الانسان المتربع على عرش الابداع في الخط والرسم والعزف والفكر الملتزم ، عمل في احد برامج الامم المتحدة ، وبعدها سافر الى هولنداً طالباً للجوء السياسي بعد سنوات من مجيء إنقلاب الكيزان المشئوم ، وأمثال ميسره لاتروق لهم الا بلادهم وبيئاتهم التي عاشوا فيها لذلك عاد مره اخرى للبلد الذي أحبه وللشعب الذي رعاه.
عقب إندلاع الحرب اللعينه عاد ميسره الى حيث موطنه وبيئته ورئته الاولى مدينة كوستي ودارهم العامرة والتي استقبلت عشرات التلاميذ والتلميذات ممن لم يكن لهم دار في كوستي من الاهل او المعارف او الاصدقاء. أبواب المنزل مشرعه أمام الجميع والاشتراكيه مطبقه ليست هناك أسِره مخصصه لاحد ولا غرف كذلك ، وحيثما إبتسم لك الحظ تأكل وتنام فلا طبقات ولافوارق.
( بيت ناس ميسرة) كانت مأوى للجيران والاصحاب والاهل والاصدقاء تقاسم هذه الدار عشرات الناس نساءً ورجال ويالعظمة هذه الدار وعظمة أهلها.
خلال أقل من ساعتين فاضت روح ميسره في المستشفى ودكتور محمد بن شقيقه ياسر المحامي ذهب يتدبر له أنبوب أوكسجين، لكن روح ميسره الشفافه كانت تُحس بأن هناك أمراً ما سيحدث وعندما احضروا له الركشه التي أقلته الى المستشفى وفي رحلة وداعه الاخيره قال لمن تجمعوا حوله من أخواته وإخوته وأبنائه من الجيران ( مع السلامه ما حألاقيكم تاني).
كل شابات وشباب الحي كانت لديهم علاقات خاصه مع ميسره الذي مارفع صوته على أحد ولا تعالى على أحد ومابخل على أحد بفكره أو ماله أو وقته .
سيفتقدك كل أهلك في مربع ٨ نساء ورجال شيباً وشباب وسأبدأ بالرفقه والجيران الذين مثلوا أسرة واحدة وسأبدأ بالمقلوب آل الاعمام أبكر جدو وللفاضل تعازي خاصة، لآل حسن النصري عماد واحسان وزهوروحاج إدريس محمد وروضه وابتسام والحاجات ليلى وسعاد والاستاذة الجليله زينب خير الله وجدنا حاج محمد حاج لخالنا نديم وآل آدم النور سيف والطاهر ولمحمد ابراهيم سكسك وال مصطفى اسماعيل والرشيد حمزة كوكو وآل الفاضل محمود وعنهم الاخ الفاتح.
ياويح قلبي عليكم أخوات وإخوة ميسرة في بيتهم وشارعهم وحيهم العامر بالترابط والتوادد والتراحم وفي ذلك الشارع ونحن أطفال شدتنا شخصية عمنا الراحل حاج إدريس والذي كان رسولاً للعطف والحنان لاعبنا ونحن اطفال وإفتقدناه باكراً.
لقد تركت لهؤلاء من خلفك ياميسرة مرارةً في الأفواه وغصةً في الحلوق وألماً وحسره ودموعاً منهمرة.
لقد أحبوك ياميسرة بصدق وانت رمز الصدق ، وخاووك خوةً حقيقيه وانت رمزٌ للأخوة متفرداً في الزماله، كان همسك تواضعاً ومواقفك النبيله لاتحصى ولاتعد.
يا عفاف وانتصار ماجد وياسر وعمر والطيب وقبل أن يندمل جرح عبدالرحمن إنفتح جرح ميسره عميقاً، غادرنا بلادنا بعد مزقها ( كيزان السؤ) فضربنا في فجاج الارض ، وعندما ذهبنا الى هولندا وجدنا ميسره مرةً أخرى مُيسراً وهادياً لنا فقدم لنا كلما يمكن تقديمه، لكننا الان. نفتقدك ياميسره ولكن عزاءنا أن إبنتك ( مِنه ) ستحمل رايتك الخفاقه ولن تمِن على أحد بعظيم نبلك وقيمك الساميه.
ياميسرة في كوستي التي نشأت فيها وغادرتها لسنوات طوال ها أنت تغدرنا طاهراً عفيفاً مبراءً ترقد فيها بسلام
ويغشاك الغمام وعليك السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

15 + سبعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى