أخر الأخبار

مني أركو مناوي يكتب : تقسيم البلاد تحت مظلة الهدنة الإنسانية: بين القبول والرفض

مني أركو مناوي دومي
تقسيم البلاد تحت مظلة الهدنة الإنسانية: بين القبول والرف

في لحظات الظلام السياسي والإنساني، تتشكل التحولات في السودان وفقًا للمتغيرات السياسية والمعارك العسكرية التي لا تعرف التوقف. اليوم، يُرفع شعار الهدنة الإنسانية كخيط رفيع بين الأمل والانهيار، وتطرح العديد من الأسئلة حول مصير الشعب السوداني ومستقبل وطنه المنكوب. هل تصبح الهدنة الإنسانية حلاً حقيقياً أم مجرد مسكن مؤقت يهدئ النفوس لفترة قصيرة يُعاد خلالها تنظيم المليشيات وجمع أنفاسها؟ وهل من الممكن تحقيقها في ظل الظروف الحالية، أم أن المستقبل يحمل المزيد من المعاناة؟ في هذا المقال، نتناول أبرز المقاصد التكتيكية المتعلقة بالهدنة الإنسانية في السودان، مع إبراز أبرز مهددات الحالة الإنسانية، والسبل الممكنة لتحقيق سلام حقيقي.

هل كانت الهدنة الإنسانية ضرورة بعد الفاشر؟

منذ بداية الصراع في السودان، وبعد مذبحة الفاشر الأخيرة، أصبح من الواضح أن الحاجة إلى الهدنة الإنسانية لم تعد خيارًا ضرورياً ، فقد كانت الفاشر بمثابة بؤرة تتجمع فيها كل المآسي الإنسانية، حيث شهدت مقتل وتشريد الآلاف من المدنيين، مع حصار خانق استمر لمدة عامين أمام أعين الجميع، على رأسهم الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة، التي تجاوزت كل شعاراتها. معاناة الفاشر تصدرت قائمة المناطق التي تستدعي تدخلًا إنسانيًا عاجلًا، حتى ولو بالقرار الدولي. الأطفال، الذين كان من المفترض أن يعيشوا في سلام، تحولوا إلى ضحايا أبرياء لقذائف الجنجويد، لا ذنب لهم سوى أنهم ينتمون لقبائل تعتبرها المليشيات والإمارات غير مرغوبة في الحياة. كانت الفاشر بمثابة الطفل المُنهك الذي ينادي: “الهدنة والإغاثة!” إلا أن ذلك الطفل قد دُفن مع أمله بعد أن فشل العالم في توفير الحد الأدنى من الأمل في الحياة.

مهددات الحالة الإنسانية في السودان: الدعم السريع أم الكوارث الطبيعية؟

فيما يتعلق بمهددات الوضع الإنساني في السودان، لا يمكن عزل “الدعم السريع” عن قائمة الأسباب الرئيسية للكارثة الحالية. قوات الدعم السريع، المدعومة من أطراف إقليمية أصبحت اللاعب الأساسي في إحداث الفوضى، منتهكة أبسط حقوق الإنسان، ومحطمة للبنية التحتية بما يفوق تأثير الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل والحرائق. إن التهديدات التي تخلقها هذه المليشيات المسلحة هي الأكثر فتكًا على المدى الطويل. الدعم السريع ليس مجرد تهديد عسكري، بل هو قوة تدمير ممنهجة للسلام والاستقرار وللطبيعة والإنسانية معًا، مدفوعة بأجندات سياسية وأيديولوجية لا علاقة لها بأرضنا الأفريقية.
تأخر العالم في قول الحق الا بعد مذبحة الفاشر لماذا ؟

كانت مذبحة الفاشر أحد الفصول الأكثر دموية في الصراع السوداني، ومع ذلك، انتظر العالم، رغم علمه التام، ما قد يحصل حتى تم اكتمال المذبحة. وفي خلال أربع وعشرين ساعة فقط وأثناء سريان سكاكين طويلة، تم إدخال كميات من المواد الغذائية، لكن الضحية يتساءل: لماذا حدث ذلك؟ هل كان جزاء لما قامت به هذه المليشيا؟ أم كانت تعليمات الدولة الزبون التي قصدت ذلك؟ أو هل كان العالم بحاجة إلى مزيد من الأدلة على ارتكاب جرائم حرب حتى يتحرك؟ أم أن هناك مصالح خفية تجعل البعض يتأخر في اتخاذ موقف حاسم، الذي قيل مكرراً: “يجب ألا يحدث ذلك مرة أخرى” (Never Again)؟ في واقع الأمر، لا يمكن إغفال أن مواقف بعض القوى الدولية، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، قد لعبت دورًا في هذا التأخير، حيث كانت جزءًا من الصراع السياسي والعسكري في السودان، من خلال دعم بعض الأطراف المتورطة في ارتكاب المجازر. والتواطؤ الدولي في تأخير التدخل أضاف مزيدًا من الألم والمعاناة للسودانيين الذين كانوا يعانون من ويلات الحرب.

ما هي عناصر الهدنة إن كانت ذلك ضروريًا؟

الهدن مثل حالة السودان هي عبارة عن عمليات قذرة ومنسوجة بالحرير. ولكن إذا التزمت القيادة بوحدة الكفاح وكفاءة القادة يمكن أن تقود الأمور إلى وجهة صحيحة بعد إفراغها من محتوى المؤامرات. وبصوغها نهج الوطن بشروط محددة تضمن أن السلام الذي يروج له الذئاب سيكون حقيقيًا ودائمًا. لن يكون مجرد اتفاق على ورق، بل يجب أن يكون عملية تشمل وتسبقها:
• إخراج قوات المليشيات من كل المواقع الحيوية التي دخلوها ونهبوها واستباحوها: لا يمكن الحديث عن سلام حقيقي في ظل استمرار وجود قوات الدعم السريع أو أي مليشيات أخرى تتحكم في الأراضي والمواقع المدنية، من المدارس والجامعات والأسواق والمستشفيات حتى دور الأيتام. يجب أن يتم سحب هذه القوات من المدن والمناطق السكنية فورًا، وإعادة السيطرة على الأرض للمؤسسات الوطنية واستعادة الحياة وفتح المدارس. هذا ضروري إن كان للهدنة قصدها إنسانيًا.
• إطلاق سراح المختطفين: لا يمكن الحديث عن هدنة حقيقية في ظل وجود آلاف المعتقلين والمختطفين، بما في ذلك الأطفال، في قبضة المليشيات. يجب أن تكون عملية إطلاقهم مدخلًا للهدنة الإنسانية، إن كان المقصد منها إنسانيًا.
• إخراج المرتزقة الأجانب: ليس في صالح السودان أن يتم السماح للمرتزقة الأجانب بالبقاء على أرضه. هؤلاء يمثلون تهديدًا أكبر على السيادة الوطنية. يفوق عددهم أكثر من 85% من عدد قوات الدعم السريع.
• فتح الطرق الرئيسية: من الضروري إعادة فتح الطرق بين المدن السودانية لإعادة الحياة إلى طبيعتها، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
• مشاركة كل القوى الوطنية في عملية السلام: لا يمكن أن يكون السلام مجرد اتفاق بين مجموعة واحدة من الأطراف. يجب أن تشمل عملية السلام جميع فئات المجتمع السوداني، من ضحايا الحرب إلى النازحين والشهداء.وتجتمع في الهدنة كل زوايا مفاهيمية للوطن ومواطنيه .

 

لماذا لا نطالب بمحاسبة مرتكبي الإبادة الجماعية ؟.
علي الدولة أن تسرع في تركيز الجهود ووضع أولويات علي محاسبة مرتكبي الإبادة الجماعية ، يجب وضع هذا الجند من أولوياتها، دون البحث عن السلام المفقود الذي يمسك بزمامه دولة بترولية لا تؤمن إلا بالمال.والا إذا تحدد جهة معادية وطنية هي الدعم السريع بارادته . أما الآن المذكور منزوع الإرادة .
في الوقت الذي يتعرض فيه الشعب السوداني للتنكيل والقتل والتهجير، نفعل مطالبتنا بمحاسبة الجناة الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية بحق المدنيين.
هناك العديد من الأطراف التي لا تعترف بجرائمها وتواصل ارتكاب المزيد من الانتهاكات، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة في تحقيق العدالة. يجب أن تكون المرحلة القادمة مرحلة محاسبة، ولا يمكن إغفال الجناة أو تقديمهم كأبطال في نظر بعض الدول. إن الغطاء الدولي لبعض هذه الأطراف لا يمكن أن يكون ذريعة لعدم الملاحقة القضائية.
تسليم الحدود ، المعابر ، المطارات والمهابط للسلطة المركزية وإبعاد كل عمليات خرق السيادة الوطنية ، هذا يسهل كثيرا للوطن ان يقوم بمراقبة أجواءه وحدوده ويمنع الدعم العسكري للدعم السريع .

في الختام؛ مكرر إن بعضنا يظن حتى الآن أن تحرير الخرطوم والوسط هو الخلاص النهائي من الحرب، وهذه الغفلة قد تقود صاحبها إلى المجاهيل بكتابة “السودان ” كاخر كلمة ينطقها السوداني . فليعلم الجميع أن الدعم السريع لا يدري أين يطلق آخر رصاصته، لسبب بسيط وهو أنه لا يدري ما هو المشروع الذي يموت ويقتل وينهب من أجله. هو مجرد ماكينة تمت تدويرها وتفويلها ولا تدري متى يتم إطفاؤها. أما صاحب المشروع، فإن مقصده الأخير هو: منبع رافدي النيل ومصب نهر النيل والبحر الأحمر، هذا في نطاق السودان الضيق وجزء من أفريقيا الكبرى. أما مقصده داخل أفريقيا العظمى، حدث كما تشاء.

إن الوضع في السودان ليس مجرد حرب على الأرض أو صراع على السلطة، بل هو معركة ضد الإنسانية في أبشع صورها. إن الهدنة الإنسانية، رغم كونها خطوة في الاتجاه الصحيح، لن تكون كافية ما لم يتم دمجها في إطار شامل يعكس تطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدالة والسلام مع انسجام تام بين الشعارات والفعل . ان حدث ذلك لا يسمح لقوى الفوضى بالهيمنة على مصيرنا، ولا أن نغض الطرف عن الجرائم التي تُرتكب واُرتكبت بحق الشعب السوداني. السلام لن يتحقق إلا إذا كانت هناك إرادة حقيقية للمحاسبة، ولإعادة بناء وطن يشمل الجميع ويحترم كرامة المواطن السودان

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − تسعة =

زر الذهاب إلى الأعلى