أخر الأخبار

المجموعات السياسية والمسلحة الداعمة لقوات الدعم السريع في تأسيس حكومة منفى في نيروبي: حالة من الخداع الذاتي.!؟

بقلم: برهاني تاكلو-نقا

1. الخلفية والسياق

منذ أبريل 2023، يعيش السودان في أتون صراع مدمر، يتمثل في اشتباكات عنيفة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني. يقود قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، بينما يقود الجيش الوطني السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان. تصاعد هذا الصراع ليصبح حربًا شاملة، ما تسبب في معاناة واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد.
في تطور مهم بتاريخ 18 فبراير 2025، عقدت قوات الدعم السريع اجتماعًا في نيروبي، بالتعاون مع عدة فصائل سياسية ومسلحة متحالفة، للتوقيع على ميثاق شامل يهدف إلى تأسيس ما سُمِّي بـ”حكومة السلام والوحدة”. هذه الحكومة في المنفى، وفقًا لما أعلنوه، معنية بإدارة المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، في محاولة لإضفاء صبغة رسمية على سلطتهم وسط الفوضى المتصاعدة.
حظي هذا الميثاق بدعم 23 كيانًا سياسيًا مختلفًا، من بينهم:

الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال (SPLM-N)

جناح حزب الأمة القومي بقيادة فضل الله برمة ناصر

جناح الحزب الاتحادي الديمقراطي تحت قيادة إبراهيم الميرغني

يُعَد هذا التحالف محاولة لتوحيد الفصائل المختلفة وفرض شكل من أشكال الحكم، رغم الانقسامات العميقة داخل البلاد.
لكن هذه الخطوة أثارت جدلًا واسعًا. فقد انتقدت وزارة الخارجية السودانية والاتحاد الأفريقي علانية موقف كينيا، معتبرين أن اعترافها الضمني بقوات الدعم السريع يمثل انحيازًا لطرف متورط في جرائم حرب وإبادة جماعية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. كما أدانت مصر بشدة ما وصفته بـ”الحكومة الموازية”، محذرةً من أن مثل هذه الخطوات قد تعمق الانقسامات السياسية وتزيد الوضع في السودان سوءًا.

2. طبيعة الخداع الذاتي في المجموعات السياسية والمسلحة

الخداع الذاتي ظاهرة شائعة في الحركات السياسية والمسلحة، حيث يميل الأفراد والجماعات إلى تبني تحيزات انتقائية وإنكار الحقائق غير المريحة، ما يسمح لهم بالاحتفاظ بصورة إيجابية عن أنفسهم رغم الأدلة المناقضة.

آليات الخداع الذاتي:

اللغة الزائفة والتلطيفية:
تتعمد قوات الدعم السريع وحلفاؤها استخدام عبارات مضللة مثل “حكومة السلام والوحدة”، لتجميل الواقع العنيف والانقسامات العميقة. يحاولون تصوير أنفسهم كقوى تسعى إلى الاستقرار، رغم أن الأوضاع على الأرض تعكس صراعًا وحشيًا على السلطة والموارد.

إلقاء اللوم على الآخرين:
تلجأ بعض الفصائل إلى تحميل قوى خارجية أو خصوم سياسيين مسؤولية الأزمات، لتقديم أنفسهم كبدائل “شرعية” للوضع الراهن. بهذا، يتنصلون من مسؤولياتهم، ويضللون الرأي العام، مما يفاقم الفوضى.

التوقعات غير الواقعية:
تعتقد قوات الدعم السريع وحلفاؤها أن بوسعهم نيل الشرعية عبر خطوات شكلية، متجاهلين المعارضة الشعبية الواسعة والتعقيدات الجيوسياسية، مما يعكس انفصالهم عن الواقع السياسي والدبلوماسي.

3. أعراض الخداع الذاتي لدى قوات الدعم السريع والفصائل المتحالفة

المبالغة في تقدير القوة:
رغم التحديات التي تواجهها قوات الدعم السريع في الاحتفاظ بسيطرتها على مدن رئيسية مثل الخرطوم، أم درمان، وود مدني، إضافة إلى فقدانهم المصفاة النفطية الرئيسية في البلاد، لا تزال القيادة تصر على قدرتها على تأسيس حكومة ذات مصداقية دولية، متجاهلة الواقع العسكري والسياسي المتدهور.

تجاهل الحقائق:
تغض قوات الدعم السريع الطرف عن عدة حقائق، منها:

الإدانات الإنسانية الواسعة لارتكابهم جرائم إبادة جماعية.

ضعف الدعم الشعبي خارج إقليم دارفور، حيث تنحصر سيطرتهم.

الرفض الدولي لشرعيتهم، مما يعزلهم دبلوماسيًا.

الاعتماد على الإنكار الخارجي:
يعكس استضافة كينيا لاجتماع نيروبي فهمًا خاطئًا لدى قوات الدعم السريع بأن الاعتراف السياسي يمكن تحقيقه من طرف واحد، دون مراعاة المواقف الدولية الرافضة، مما يزيد من عزلتهم.

4. نظرات تاريخية على التوقعات غير الواقعية والخداع الذاتي

أفغانستان:
تكررت هذه الظاهرة عندما بالغت الولايات المتحدة في تقدير قدرتها على فرض الديمقراطية في أفغانستان، دون فهم عميق للواقع القبلي والاجتماعي. بالمثل، تسعى قوات الدعم السريع للحصول على الشرعية السياسية عبر إعلانات رمزية، متجاهلة التعقيدات الداخلية والدولية.

الصراعات في الشرق الأوسط:
مثلما تُستخدم السرديات التاريخية الانتقائية في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، تتبنى قوات الدعم السريع خطابات تبريرية تخفي التناقضات الداخلية، مما يعيق أي جهود حقيقية للحوار.

5. عواقب الخداع الذاتي في النزاعات السياسية

الانقسامات الداخلية:
بدأت تظهر بوادر خلافات بين الموقعين على ميثاق نيروبي حول توزيع السلطة، مما يهدد استقرار هذا التحالف.

تصعيد العنف:
قد تؤدي محاولات تشكيل “حكومة موازية” إلى اندلاع موجة جديدة من العنف، خاصة في دارفور، مما يزيد من الأزمة الإنسانية.

العزلة الدبلوماسية:
سيؤدي التمسك بالخداع الذاتي إلى توتر العلاقات مع القوى الإقليمية مثل مصر وقطر، ما يصعّب حصولهم على أي اعتراف دولي.

6. توصيات لحل النزاع

تعزيز الحوار الشامل:
يجب أن يقود الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي جهودًا لجمع كافة الأطراف السودانية — من الحكومة والمعارضة إلى المجتمع المدني — للبحث عن حلول مستدامة.

نبذ الحلول العسكرية:
ينبغي على قوات الدعم السريع التخلي عن الطموحات العسكرية والتركيز على المصالحة والإغاثة الإنسانية.

مواجهة الخطابات الوهمية:
يتعين على وسائل الإعلام والمنظمات الدولية فضح محاولات تزوير الحقائق وكشف الجرائم، لردع الجماعات المسلحة عن تكرار مثل هذه الأساليب.

7. الخاتمة

تعكس محاولة قوات الدعم السريع تأسيس حكومة منفى في نيروبي خطر الخداع الذاتي في النزاعات السياسية. فالتغاضي عن الواقع، والاعتماد على أوهام القوة، وتجاهل المعارضة الداخلية والدولية، يهدد بمزيد من الانقسام والعنف.
لإحراز تقدم حقيقي نحو السلام، يجب التخلي عن التوقعات غير الواقعية واعتماد الواقعية السياسية، والمحاسبة، والحوار الشامل، باعتبارها أسسًا لا غنى عنها لتحقيق استقرار دائم في السودان.

___

برهان تكلو-ناجا
كلية الحقوق بجامعة هارفارد، جامعة بوسطن، وجامعة تافتس/كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى