بعد…و….مسافة – مصطفى ابوالعزائم – الجمعة الحزينة…ذكريات باقية

يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر مارس الجاري ، يكون قد مرّ على الجمعة الحزينة التي شهدت الإعتداء الآثم على مسجد الحارة الأولى بمدينة الثورة والذي راح ضحيته(27) شهيدا من المصلين والسابلة والمواطنين ورجال الشرطة في الرابع من فبراير عام 1994م ، يكون قد مرّ على تلك الجمعة حوالي ألف وخمسمائة وسبعة وثلاثون جمعة ، تزيد أو تنقص قليلا ، لكن ذكراها ستكون محفورة في ذاكرة كل من شهدها ، وفي قلب كلّ من فقد عزيزاً يومذاك ، كما أنها ستظل عالقة في عقل كل محقق شرطي قام بواجبه في التحري والبحث الجنائي والميداني وصولاً للحقيقة ، وقد كنت أحد شهود ذلك الحدث وأحد المحققين الصحفيين فيه ، إن لم أكن الصحفي الوحيد .
من بين أصدقائنا الذين تدخلوا بقوة لإحقاق الحق وإظهار الحقيقة بالتواصل مع صاحبكم كمحقق صحفي وأحد شهود العيان في ذلك اليوم ، سعادة اللواء شرطة هاشم علي عبدالرحيم ، وهو صديق مقرب للواء عبدالرحيم عيسى ، وللواء عابدين الطاهر ، وقد إكتملت لدينا الصورة أو كادت حول مجريات التحقيق ، وقد وصلتني كما وصلت للأخ الكريم اللواء هاشم رسالة من اللواء شرطة عابدين الطاهر تضمنت ما يمكن أن يكون إن هذه القضية عمل فيها أشخاص كثر ، وإدارات عديدة منها المباحث الجنائية والأدلة وشرطة الولاية ، وقد تحرى فيها قبل سعادة اللواء شرطة عبدالرحيم عيسى ، وقبل سعادة اللواء شرطة عابدين الطاهر ، المقدم شرطة سعد ، وقد تسلم اللواء عابدين القضية جاهزة مع معروضاتها من سعادة اللواء عبدالرحيم ، والمعروضات كانت هي السلاح الذي إستخدمه المتهم الأول في القضية محمد عبدالرحمن الخليفي ، ومعه اثنين من أتباعه ، إضافة إلى ذخائر و(نشاب) ، ويقول سعادة اللواء عابدين إنه كان لهم فضل تقديمها ومحاورة أطرافها في مرحلتي الإستجواب والتحقيق القضائي ، والمرافعات والحيثيات ، والنطق بالحكم ، حتى مرحلة التنفيذ ، ويقول اللواء عابدين إن سعادة اللواء شرطة عبدالرحيم عيسى أكبر منهم جميعاً ، وهو أهم له ولغيره من ضباط الشرطة من هذه القضية التي لا تضيف لمسيرتهم في العمل الشرطي إلا النذر اليسير .
إنتهت رسالة اللواء عابدين وإفادته التاريخية المهمة ، وبقي لي كمحقق صحفي أن أشير إلى أنني حصلت على إعترافات الخليفي وتابعه المتهم الثاني عبدالباقي موثقة بالصورة والصوت ، وتأثرت كثيراً عندما كان يجيب وهو مسجىً على السرير الأبيض داخل المستشفى على أسئلة المحقق الشرطي العظيم عبدالرحيم عيسى ، لكن سرعان ما زال ذلك التأثر عندما عادت إلى ذاكرتي صورة المصابين من الشهداء والجرحى ، ثم صورة جمعنا القليل ذاك بعد صلاة العصر التي أديناها في فناء مسجد الحارة الأولى بمدينة الثورة ، ونحن أمام بناء المئذنة في الجهة الشرقية ، بعد أن تم إغلاق صحن المسجد عقب الحادثة مباشرة لإجراءات الشرطة والتحقيق ، ثم توجهنا مع المغفور له بإذن الله تعالى فضيلة الشيخ أبوزيد محمد حمزة نحو مستشفى أم درمان لعيادة الجرحى والمصابين ، وكان من بينهم أحد الشرطيين الذين تمت إصابتهما وهما يقومان بواجبهما داخل نقطة بسط الأمن و في الجهة الشرقية لحديقة الحارة الأولى .
تلك الصور المحزنة قفزت إلى عقلي وأنا أتابع إفادات الخليفي ، ولم أعد متأثراً بما قال ، لكن هذه الوثائق الخطيرة أصبحت لديّ نسخة طبق الأصل منها.
رحم الله شهداء تلك المجزرة وعفا عنهم وغفر لهم وأدخلهم فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا إنا لله وإنا إليه راجعون .

Email : sagraljidyan@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى