شعبنا الكريم ..
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..
اسمحوا لي أن أخاطبكم اليوم وبلادنا تمر بمرحلة دقيقة لم يشهدها تاريخها من قبل .. مرحلة تتطلب منا جميعاً أن نتجرد ونتحلى بالصدق مع نفوسنا ومع شعبنا الذي صبر كثيراً وتحمل فوق كل احتمال. أخاطبكم اليوم ونحن نتحمل مسؤولية جسيمة وأمانة هذه البلاد في اعناقنا .. ان احسنا الصنع نستطيع أن نخرجها إلى بر الأمان، وان تملكتنا المطامع الذاتية وقصر النظر سنلقي بها إلى التهلكة وهو ما لن نسمح لانفسنا أن يحدث مهما كان الثمن.
اسمحوا لي قبل أن أدلي بموقفي من تطورات الوضع السياسي الراهن أن اقدم خطابي هذا بخلفية مختصرة للغاية، أظن أنها ضرورية في هذا السياق. أنا ابن بادية بسيط، نشأت في أقاصي هوامش السودان ولم أحظى من الدولة سوى بعنفها تجاه مجتمعاتنا، وتجاهلها لحقوقهم الأساسية، ولقد تعلمت في مدرسة الحياة الكثير من الدروس، أهمها أن المسار القديم للسودان غير عادل وغير منصف، لذا فحينما رأيت شباب وشابات ثورة ديسمبر المجيدة لم اتردد في الوقوف في صفهم ضد ظلم النظام البائد واستبداده وفساده، رأيت انني اشاركهم رغبتهم في التغيير إلى الأفضل وبناء السودان، حاولت ما استطعت فأصبت حينها وأخطأت احياناً، اخرها خطأ انقلاب ٢٥ اكتوبر، الذي تبين لي منذ يومه الأول أنه لن يقود لما رغبنا فيه اولاً بأن يكون مخرجاً من الاحتقان السياسي ليصبح للاسف بوابة لعودة النظام البائد مما دفعني لعدم التردد بأن أعود عنه إلى الصواب وأن ارغب بصدق في الخروج من السلطة السياسية وتسليمها لسلطة مدنية انتقالية، وهو أمر تعاهدت عليه مع السيد الرئيس الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقيادة القوات المسلحة السودانية ولن أعود عنه ابداً.
بعد هذه المقدمة المختصرة اسمحوا لي أن أقول بضع اراء في أهم قضايا الراهن السياسي في نقاط.
أولاً: العملية السياسية الجارية الان
اكدت مراراً وتكراراً أن الاتفاق السياسي الإطاري هو مخرج بلادنا من الأزمة الراهنة، وأنه هو الأساس الوحيد للحل السياسي المنصف والعادل، وقد ساهمت مع بقية الموقعين في دفعه إلى الأمام، في مناقشات القضايا الثلاثة، واخرها ورشة شرق السودان التي نظمتها الالية الثلاثية ونجحت بصورة كبيرة في وضع الأساس لمخاطبة ازمة شرق السودان بصورة صحيحة، كما ساهمت كذلك في محاولات اقناع القوى غير الموقعة على الاتفاق الاطاري بالانضمام للعملية السياسية، اخرها الاعلان السياسي الذي ناقشته الأطراف الموقعة مع بعض الحركات والأحزاب غير الموقعة، ولا زلت امل بأن تكلل هذه المساعي بالنجاح.
انني اعتقد بأن هذه العملية السياسية قد تطاول زمنها، وأن الوقت قد حان لانهاءها والوصول لحل سياسي نهائي بصورة عاجلة تتشكل بناءاً عليه سلطة مدنية انتقالية تقود البلاد، ونعود نحن في المؤسسة العسكرية إلى ثكناتنا لنتفرغ لاداء مهام حماية حدود البلاد وأمنها وسيادتها وهذه مهام جليلة نتمنى أن نوفق في اداءها.
ثانياً: العلاقة بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع:
نشأ الدعم السريع كمساند ومساعد للقوات المسلحة، وينص قانونه على أنه جزء منها. جمعتنا مع القوات المسلحة خنادق القتال حماية للوطن وأمنه، ولنا معها عهود لن نخونها ابداً.
لن نسمح لعناصر النظام البائد بالوقيعة بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع، واقول لهم أنهم لن يستطيعوا بلوغ ذلك ابداً. اننا في قوات الدعم السريع ملتزمين بما ورد في الاتفاق الإطاري بخصوص مبدأ الجيش الواحد وفق جداول زمنية يتفق عليها، كما اننا ملتزمين بصدق بالانخراط في عمليات الاصلاح الامني والعسكري، بصورة تطور المؤسسة العسكرية وتحدثها وتزيد من كفاءتها وتخرجها من السياسة والاقتصاد كلياً، وتمكنها من التصدي الفعال لكل ما يهدد أمن البلاد وسلامها.
إن القوات المسلحة السودانية مؤسسة ذات تاريخ عريق، وهي لن تكون مطية لحزب أو جهة، بل كانت وستظل ملكاً لهذا الشعب بكل أطيافه، ومصدر فخره واحترامه، ونحن منها ولن ندخر جهداً في الدفاع عنها ضد كل من يسيء اليها أو يقلل منها، وقد وضع الاتفاق الاطاري أساساً متيناً للمباديء الرئيسية التي تعيد للمؤسسة العسكرية ما فقدته بسبب سياسات النظام البائد، لذا سنمضي فيه بصدق وجدية حتى تتحقق أهدافه كاملة غير منقوصة، فهذا الاتفاق حزمة واحدة يجب أن تنفذ كلها دون تجزئة.
ثالثاً: السلام الشامل العادل:
أنا رجل نشأ في وسط الحروب .. عرفتها وخبرتها لذا أعرف معنى السلام وأهميته. منذ أيام الحكومة الانتقالية الأولى اخترت في مجلس السيادة أن أتولى مهمة ملف السلام بالتنسيق مع حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك. لانني مقتنع بأنه لا مستقبل لهذه البلاد بدون اسكات جميع أصوات البنادق وادارة تبايناتنا بالحكمة والموعظة الحسنة. اندلعت الحروب بسبب المظالم التاريخية في هوامش السودان، وجاءت ثورة ديسمبر لتمنح فرصة لمعالجة هذه المظالم دون حروب. لذا وقعنا اتفاق جوبا لسلام السودان الذي لم يجد حظه من التنفيذ لأسباب عديدة، لذا فقد جددنا العزم أن يكون الاتفاق السياسي النهائي مدخلاً لاحياء تنفيذ اتفاق السلام ولاكماله مع الحركات الموقعة، وتنفيذ جميع بنوده لا سيما المتعلقة بعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم وتوفير الحماية اللازمة لهم.
انني أود أن أعرب عن عميق تقديري للحركات التي اختارت أن تكون جزءاً من العملية السياسية الجارية فقد اختاروا خياراً وضع مصالح البلاد فوق كل قضايا صغيرة، وأجدد دعوتي للحركات الموقعة على اتفاق جوبا التي لم تنضم بعد للعملية السياسية بأن تكون جزءاً منها، فمستقبل تنفيذ السلام مرتبط باستقرار البلاد السياسي وهو ما لن يتحقق سوى باتفاق سياسي نهائي يؤسس لحكومة مدنية تعكس امال الشعب وتطلعاته.
رابعاً: الأزمة الاقتصادية:
انني أشعر بألم عميق كلما أشاهد مظاهر الفقر والضيق الاقتصادي وتردي الخدمات في بلادنا . إن السودان بلد غني بأهله وموارده، افقرته سياسات الأنظمة المتعاقبة وصراعات السلطة ضيقة النظر.
إن حل الأزمة الاقتصادية الراهنة مرتبط بالاستقرار السياسي والاتيان بحكومة مدنية، ومن هنا فإنني أناشد الأسرة الدولية والاقليمية على الاستعداد لتقديم السند اللازم للحكومة القادمة، فشعبنا ينتظر منها الكثير وستواجهها مهمة صعبة ما لم تجد التعاون السريع والفعال لمواجهة التحديات الاقتصادية.
كما ادعو الحكومة القادمة للاهتمام بالقطاعات الانتاجية واستثمار خيرات البلاد الزراعية والحيوانية والطبيعية وتوجيهها نحو المواطن في كل ارجاء السودان بعدالة وانصاف، والاهتمام بالتعليم والصحة كأهم عوامل النهضة الشاملة التي نتمنى ان نراها واقعاً يتحقق في هذه الأرض الطيبة، ومن جانبنا سنقف مع شعبنا في الضائقة الاقتصادية و سنقدم دعمنا لتخفيف اعباء المعيشة .
خامساً: العلاقات الدولية والاقليمية
انني اتوجه بعميق الشكر والتقدير للالية الثلاثية المكونة من الاتحاد الافريقي ومنظمة الايقاد والأمم المتحدة، والالية الرباعية والترويكا ممثلة في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الاميركية ودولة الامارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج، والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، وبلدان الجوار الافريقي والعربي التي ساندت الشعب السوداني ودعمت خياراته.
انني اؤكد لهم جميعاً التزامنا في المؤسسة العسكرية بتعهداتنا التي قطعناها على أنفسنا بالخروج من السلطة السياسية وانجاح العملية السياسية الجارية، كما اؤكد رغبتنا الجادة والصادقة في علاقات بناءة مع الأسرة الدولية والاقليمية ونأينا التام عن كل أشكال العلاقات الخارجية التي تمس بالسلم والأمن الدولي.
إن السودان دولة ذات تاريخ عريق في السلم مع الجوار، ولم يتحول لمصدر تهديد للاقليم والمجتمع الدولي إلا في سنوات حكم النظام البائد الذي أفسد علاقاتنا مع اشقائنا وجيراننا وهو ما لن يتكرر ابداً مرة أخرى في هذه البلاد.
سادساً: رسالة خاصة إلى عناصر النظام البائد:
لقد حكمتم هذه البلاد بغير وجه حق لثلاثين عاماً، قسمتم فيها السودان لبلدين، نشرتم فيها الفساد والاستبداد، اثرتم فيها الفتن القبلية والاجتماعية حتى ثار ضدكم الشعب وأسقطكم.
أقول لكم ارفعوا ايديكم عن الفتنة في المؤسسة العسكرية وفي أوساط المجتمع السوداني، واتركوا هذا الشعب ينعم بفترة انتقال سياسي مستقر يختار في نهايتها من يحكمه دون تزوير وتزييف.
ختاماً اطمئن شعب السودان الطيب في كل ارجائه بأننا ماضون في مسيرة الحل السياسي الذي بدأناه في الاتفاق الاطاري وسنمضي فيه حتى اخر الطريق بثبات حتى يعود الاستقرار لهذه البلاد، وتتجنب الشرور والفتن. هذا عهد قطعناه وهذه كلمة نقولها لله وللتاريخ وللوطن ولن نتراجع عنها ابداً.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته