
التاريخ يعيد نفسه لذات اللحظات قبل أكثر من عامين حيث يوقع اليوم شركاء إتفاقية جوبا لسلام السودان علي مصفوفة التنفيذ المحدثة المتوافق عليها بينهم عقب عملية تقييم تتفيذ الإتفاقية خلال الفترة السابقة ، وذلك بتشريف رئيسي دولتي السودان وفي حضور الضامنين للإتفاق وبعض المنظمات الدولية والإقليمية .
لا اعتقد إتفاقية جوبا للسلام في السودان جاءت مبرأة من العيوب والثقوب ، ولذلك رفضت كثير من الحركات المسلحة الدخول في مفاوضاتها بجوبا كالحلو وعبد الواحد نور وغيرهم رغم ما بذلته جوبا من جهود كبيرة ، وبعضها غادرت طاولة المفاوضات لخلافات كالدكتور الريح وآخرين وبعضهم لم تتم دعوته تلفون كوكو وغيره وبعضهم أدار ظهره للإتفاقية (خلف دور ..!) عقب التوقبع منشقين من الحركات الموقعة .
فيما عاد مناوي نفسه لطاولة المفاوضات بعد أن غادرها في وقت قبيل نهاياتها مغاضبا بسبب الدكتور الريح ، ورغم ذلك دارت خلافات بين الأطراف داخل الجبهة الثورية فكادت أن تعصف بالإتفاق قبل أن تنجح الوساطة وبمساعدة رجل السلام (حميدتي) من لملمة أطراف الجبهة الثورية برأسين متوازيين مناوي والدكتور الهادي إدريس ، فأطلق حينها مناوي مصطلح (عملية بلع الأمواس ..!) .
ولكن من الواضح أن الأمواس قد ثقلت علي المعدة ، فحدثت الخلافات والتقلبات من جديد ولذلك جاءت الإستقطابات وحدث ماحدث من تشاكس بين شركاء التغيير الحرية والتغيير المركزي التي تشرذمت والعسكريين والجبهة الثورية التي تحولت في تحالفاتها إلي الكتلة الديمقراطية ، ولذلك شكل مناوي حضورا مميزا بالورشة بجوبا، فيما جاء الرأس الآخر الهادي إدريس برفقة رئيس مجلس السيادة البرهان عقب عودته من أدغال جنوب دارفور برفقة نائب رئيس مجلس السيادة .
علي كل حضر مالك عقار وأسامة سعيد ولا أدري إن كان الطاهر حجر حضورا أما لا وقد شاهدنا نائبه وزير الطرق عبد الله يحي حضورا ،وهل غاب ياسر عرمان عن جوبا أم لا فالرجل أصبح عرابا لقحت وسيدا علي بعض مكوناتها آمرا وناهيا في ورشة فولكر لمراجعة إتفاقية جوبا المدفوعة الثمن والتي رفضتها الأطراف المنضوية تحت لواء الكتلة الديمقراطية التي جاءت جوبا عقب ورشة القاهرة بما فيها مالك عقار ، وربما جاء عقار نفسه مغاضبا بسبب سيطرة عرمان المنشق من حركته علي أعمال ورشة فولكر ، بلا شك أصبح عرمان خميرة عكننة للجميع ..!، رغم كل ذلك فلازالت أطراف إتفاق جوبا للسلام متمسكون بها مثل تلكم القردة التي تمسكت بأن إبنها جميلا مثل جدي الغزال ..!.
غير أن الأوضاع حول تطبيقات إتفاقية السلام بجوبا ليست جيدة ، فقد كشف تقرير الخبراء الدوليين المودع لمجلس الأمن ، كشف أن قوات عبد الواحد نور، أبرمت ترتيبات مع مليشيات عربية لإدارة مناجم ذهب في منطقة دنايا بجنوب دارفور وفرضت ضرائب على عمال المناجم والتجار العاملين عند المناجم .
وكشف التقرير أيضا أن عبد الواحد نور أرسل ثلاث قادة من منطقة (جو) بجنوب السودان إلى جبل مرة للإشراف علي سير العمل في مناجم الذهب تحت إمرة نائبه عبد الله حران ، وقالت المصادر أن تلكم الترتيبات تسببت في إحداث إرتباك وإزعاج لدي قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حيث يمتلك الرجل عدة مناجم لتعدين الذهب في المنطقة .
بينما أكدت تقارير ذات صلة عن تمدد لقوات الحركة الشعبية – شمال (الحلو) لزيادة مناطق تواجدها بجنوب كردفان ، وكشفت مصادر عن عمليات تعدين نشطة في ذات المناطق حيث تعاقد الحلو مع شركات فرنسية وألمانية وأخري إسرائيلية تعمل في التعدين وتتخوف مصادر أن تتسبب هذه التعاقدات في إطالة أمد الحرب وفشل إتفاق سلام جوبا .
وقريبا من ذلك نشطت جماعات عسكرية قديمة بشرق البلاد قوات شيبة ضرار تهدد وتتوعد تطبيق مسار الشرق في إتفاقية جوبا للسلام تطالب بإلغاء المسار ، كما أعلنت قوات الصوارمي عن نفسها وقوات أخري لكيان الوسط والشمال وأخري في النيل الابيض، وبرزت كذلك قوات درع البطانة تستعرض عضلاتها داخل مدينة رفاعة التي تعتبر رائدة العلم والمعرفة .
ولذلك يظل مطلوبا من ورشة جوبا أن تدرك تلكم الخصوصيات وتفتح الباب واسعا لمعالجة الخلل لإستيعاب الممانعين ، حتي ولو تقديم تنازلات في داخل المسارات لأن يجد الممانعين حظوظهم ، فلازالت الخلافات تراوح مكانها بشأن إعتماد نظام الأقاليم في ظل قانون الولايات السائد الآن مثلما حدثت من مواجهة بين وزير ديوان الحكم الإتحادي ووالي جنوب كردفان .
فمن الواضح أن الحال في البلاد لم ولن يتوقف عند هذا الحد بل ستصبح البلاد وسط ترسانة مسلحة من المليشيات الموقعة وغير الموقعة ، ولذلك لابد من تتفيذ بند الترتيبات الأمنية وفق مصفوفة محددة تتم بموجبها عمليات دمج شاملة لا تستثني أحدا بالخارج وهي عملية طويلة وتتطلب في بعض جوانبها السرعة ، وليس ما يدور من تراشق بين القيادات بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش ليست إلا حملة ممنهجة مشت بها جماعة أصحاب غرض لنشر بعض الشائعات بقصد الفتنة وإثارة الرأى العام ، فعملية الدمج عملية مطلوبة ومتفق عليها وإن إختلفت تقديراتهم لأجل بناء جيش قومي وطني مهمته حماية البلاد أرضا وشعبا ولا ديمقراطية وحكومة مدنية دون أمن ودون إستقرار .
الرادار .. الأحد 19 فبراير 2023 .