بيان الخبير المعني بشأن حالة حقوق الانسان في السودان رضوان نويصر، في ختام زيارته للبلاد

الخرطوم : الحاكم نيوز

نهاركم سعيد وشكراً لقدومكم
كما تعلمون، تم تعييني من قبل المفوض السامي لحقوق الإنسان كخبير معني بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان في ديسمبر 2023، خلفاً للسيد أداما دينغ. خلال هذه الزيارة إلى السودان، والتي تعد الاولى بصفتي خبيراً، التقيت بالسلطات والمجتمع المدني وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، في ولايتي الخرطوم وغرب دارفور، فضلاً عن المجتمع الدبلوماسي ووكالات الأمم المتحدة. وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأشكر السلطات في السودان على تعاونها مع ولايتي ودعمها لهذه الزيارة، وللمناقشات الصريحة والبناءة حول قضايا حقوق الإنسان.
قبل أربع سنوات، عندما خرج السودانيات والسودانيون شيباً وشباباُ إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم الأساسية على أمل الحصول على مستقبل عادل وأكثر أماناً، كان العالم يشاهد داعماً. يقف السودان اليوم عند مفترق طرق حاسم وهناك حاجة ماسة إلى مرحلة انتقالية جديدة لمواصلة العملية التي توقفت بسبب الاستيلاء العسكري على السلطة في أكتوبر 2021 لتحقيق مطالب الشعب بالحرية والسلام والعدالة.
أُرحب بالتزامات حقوق الإنسان الهامة التي وردت في الاتفاق الإطاري والذي تم توقيعه بين القوى السياسية المدنية والمكون العسكري في ديسمبر من العام الماضي، وآمل أن يتم وضع خارطة طريق قريباً لمعالجة كافة القضايا الخمس المُعلقة بمشاركة واسعة في حوار شامل من قبل الأطراف المعنية، حتى يتم التوقيع على الاتفاق النهائي وتشكيل حكومة مدنية. ويجب أن يكون استئناف الإصلاحات القانونية والمؤسسية بمشاركة المواطنين السودانيين من أولويات الحكومة الجديدة. ويجب أن تكون حقوق الإنسان والمساءلة مواضيع محورية في برنامج الحكومة المقبلة.
لقد تبين لي حجم التحديات الكبيرة التي تواجه السودان خلال الاجتماعات المختلفة التي عقدتها. وقد التقيت في الجنينة بأشخاص نزحوا مراراً وتكراراً نتيجة الهجمات المسلحة ضد مجتمعاتهم والتي، حسب فهمي، لم تتم محاسبة مرتكبيها. لقد نزح البعض منذ ما يقرب من 20 عاماً، لكنهم ما زالوا يأملون في أن يتمكنوا يوماً ما من العودة الآمنة إلى ديارهم وأراضيهم. ولكي يتحقق ذلك فهم بحاجة إلى الأمن والالتزام السياسي بحل الأسباب الكامنة وراء الصراع. وقد كان من الممكن أن يساعد تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام وخطة العمل الوطنية لحماية المدنيين في حل بعض هذه القضايا. إن العجز عن اتخاذ إجراءات لحماية سكان دارفور سيؤدي إلى مزيد من النزاع وارتفاع عدد الأشخاص الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية في أرض غنية بالموارد الطبيعية.
كانت رسالة الضحايا وممثلي المجتمع المدني الذين التقيت بهم خلال هذه الزيارة واضحة وأنا على اتفاق معها. يجب محاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي ارتكبت خلال النزاعات في السودان، وفقاً للإجراءات القانونية وبدون تأخير غير مبرر. وهذه هي الرسالة التي أوصلتها للسلطات. إن قضايا المحاسبة والعدالة الانتقالية تتطلب آليات عملية ذات مصداقية تتصدى للجرائم الماضية، وأسبابها الجذرية، وتوفير بُنية تحتية قانونية تمنع تكرارها.
خلال لقاءاتي مع مجموعة واسعة من ممثلي المجتمع المدني، بما في ذلك النساء والشباب، شعرت بأن هناك انعدام للثقة في الطريقة التي تسير بها الأمور – اي عدم اليقين بشأن المستقبل. وقد أفاد الكثير بوجود قيود متزايدة على انشطتهم، بما في ذلك زيادة البيروقراطية، ورفض تسجيل المنظمات غير الحكومية والتدقيق في تمويلها حيث تم إغلاق المساحة التي فُتحت للمجتمع المدني خلال الفترة الانتقالية.
إن وجود مجتمع مدني قوي ومتنوع أمر محوري للديمقراطية، واتخاذ خطوات جادة نحو بناء الثقة بين المواطنين السودانيين والمؤسسات التي تحكمهم أمر أساسي لنجاح أي عملية سياسية. فبدون استقرار على الصعيد السياسي، لن تكون البيئة مواتية لأي تحسن في حالة حقوق الإنسان.
في اجتماعاتي مع السلطات هذا الأسبوع، أثرت العديد من القضايا ذات العلاقة وقدمت التوصيات التالية
1. التصدي على وجه السرعة لمساءلة ومحاسبة القوات الأمنية أمام الشعب في إطار الرقابة المدنية الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. وأن يشمل ذلك خارطة طريق واضحة لإصلاح القطاع الأمني . إذ حسب التوثيق الذي قامت به المفوضية السامية لحقوق الإنسان شملت الانتهاكات -منذ الاستيلاء العسكري على السلطة- الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين، والاعتقال والاحتجاز التعسفيين للمعارضين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني، والتعذيب وسوء المعاملة، والاعتداء على المستشفيات والعاملين في المجال الطبي، والعنف الجنسي، والقيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير. وحتى الآن لم تقدم لجان التحقيق نتائجها حول هذه الانتهاكات. يجب رفع الحصانات من الملاحقة القانونية لأفراد القوات الأمنية المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان. إن الضحايا وعائلاتهم ينتظرون العدالة، ومستقبل السودان يعتمد على النهج الذي ستعالج به السلطات حالات المساءلة في الخرطوم ودارفور وفي كل أقاليم البلاد .
2. يجب أن يكون إنشاء مفوضية للعدالة الانتقالية، وفقًا للقانون المعتمد في عام 2021، على رأس أولويات المرحلة القادمة. وإنني أحث السلطات السودانية على الوفاء بالتزامها بعملية شاملة للعدالة الانتقالية تركز على الضحايا وتراعي الفوارق بين الجنسين وتتصدى لجميع الانتهاكات والتجاوزات السابقة لحقوق الإنسان، وتوفر العدالة للضحايا وتمنع تكرارها،
3. تقييد استخدام قانون الطوارئ، تماشياً مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي صادق عليه السودان. وقد تم استخدام أوامر الطوارئ لاحتجاز الأشخاص لفترات طويلة دون احترام لحقوقهم في الإجراءات القانونية المنصفة، بما في ذلك الحق في المحاكمة العادلة والحق في الحصول على تمثيل قانوني. وفي غرب دارفور، أعربت للوالي واللجنة الأمنية عن قلقي إزاء تأثير قرار الحكم على مئات الأشخاص بالاحتجاز دون محاكمة ونقل العديد منهم إلى سجون في ولايات أخرى. كما أرحب بالإفراج عن معظمهم قبل زيارتي الى السودان.
4. ضمان حقوق المرأة وحمايتها. كانت النساء في طليعة الاحتجاجات السلمية ومنذ بداية الانقلاب تعرضن للعنف والترهيب والمضايقات وشهدن تراجعًا في المكاسب التي تحققت في ظل الحكومة الانتقالية. أحث السلطات على تنفيذ سياسة عدم التسامح مطلقا مع العنف الجنسي واتخاذ التدابير اللازمة لوقف جميع أشكال التمييز والعنف ضد النساء والفتيات.
5. ينبغي للسلطات أن تعمل على تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين. إذ يساورني بالغ القلق إزاء تراجع التمتع بهذه الحقوق، بما في ذلك الخدمات الأساسية، بسبب تدهور الاقتصاد وزيادة تكاليف المعيشة والضغط على السكان نتيجة لزيادة الضرائب والرسوم، دون زيادة في دخلهم.
نحن الآن في لحظة حرجة في تاريخ السودان. ولكي ينجح التحول الديمقراطي في السودان، يجب أن يكون هناك تضامن بين جميع قطاعات هذا المجتمع المتنوع والغني ثقافيًا . لقد حان الوقت لكي يتخلى القادة السودانيون من جميع الأطراف، العسكريين والمدنيين، بغض النظر مواقفهم السياسية، عن مصالحهم الشخصية والعمل من أجل مصلحة الشعب السوداني.
في الختام، أود أن أشكر جميع الجهات الفاعلة الوطنية والدولية التي تعمل على مساعدة السودان للمضي على طريق الديمقراطية والتنمية والازدهار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى