أخر الأخبار

مبارك اردول يكتب : السودان : بين الحوار المتعدد في القاهرة وحوار الذات في قاعة الصداقة ايهما سيقود لانتقال ديمقراطي

مبارك اردول

سينطلق صباح اليوم منبر في مدينة القاهرة للحوار السوداني-السوداني برعاية الحكومة المصرية ، وياتي المنبر اعقاب فشل الحوار الذي ترعاه الالية الرباعية (السعودية والامارات وبريطانيا والولايات المتحدة الاميركي ويسنده الامم المتحدة والاتحاد الافريقي والايقاد) من تحقيق وفاق سياسي، والتي كانت قد بدأت خطاها منذ العام الماضي وتمخض عنها إتفاق اطاري وقع في ديسمبر كانون الاول الماضي، ومع وضوح فشله تستمر جلسات ورش تنفيذا للإتفاق الاطاري اطلق عليه المرحلة النهائية في قاعة الصداقة بالخرطوم، هذه المناشط لا تحظى باهتمام العديد من القوى السياسية والمجتمعية بالبلاد والتي يرونها مجرد برامج تخص حاضريه لا لحل الازمة السياسية في البلاد.

يشوب هذا الإتفاق الاطاري الكثير من العيوب حيث انه وقع بضغوط غربية على العسكريين تزعمتها دول الرباعية المذكورة اعلاه ودون اكتراث للواقع السياسي في السودان ، حيث انه من ناحية جمع تحالف واحد فقط للقوى المدنية وهو الحرية والتغيير المجلس المركزي الذي يقدم كممثل وحيد للقوى المدنية رغم تفككه لتنظيمات اولية بغية اكثر قائمة الموقعين، يسود هذا التحالف وصمة موالاة الغرب فيتلقى دعمه وينفذ اجندته ، وبينما صمم هذا الاتفاق على تجاهل بقية القوى السياسية المدنية وعدم اعتبارها مثل الحزب الاتحادي الاصل والتحالف الديموقراطي للعدالة الاجتماعية وحزب البعث السوداني وبعضها أطراف رئيسية في اتفاقية سلام جوبا مثل حركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي، وفضلا عن ان التحالف المسنود من الغرب تفكك اثر هذه العملية السياسية او الاتفاق الاطاري بخروج حزب البعث العربي احد اهم الاحزاب المكونة له منذ ديسمبر ٢٠١٨م الا ان الاتفاق نفسه لا يحظى بثقة ( حسب ممثل الامم المتحدة) من الشارع الذي يقوده شبان من لجان المقاومة ، والذين ينضوي بعضهم خلف تحالف التغيير الجذري الذي يتزعمه الحزب الشيوعي المعارض للاتفاق الاطاري ويعتبره يد للقوى الغربية، فلم تتواقف المظاهرات المناهضة لهذا الاتفاق منذ توقيعه حتى اليوم بل تضائلت فرص الترويج له وسط هؤلاء الشبان .

ويثير اتفاق الخامس من ديسمبر كانون الاول قضية مهمة وهو سعي اطرافه خاصة المدنيين فيه لالغاء اتفاقية السلام السودانية الموقعة في جوبا ٢٠٢٠ م بين الحكومة و(١٤) من حركات الكفاح المسلح المنتشرة من دارفور لجبال النوبة وحتى النيل الازرق، ويسعى ايضا بل يؤسس لاقصاء مجموعة مفتاحية في البلاد مثل المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة برئاسة الناظر محمد الامين ترك والذي أغلق منسوبوه من قبل المواني في شرق البلاد إحتجاجا على عدم التمثيل السياسي في الحكومة الانتقالية الاولى وغيره من الاحزاب السياسية والكيانات.

في هذه الاثناء طرحت القاهرة مبادرة لجمع الأطراف السياسية السودانية في حضرتها تسهيلا وليس تدخلا ، فاعلنت قوى متعددة استجابتها سوى قوى قاعة الصداقة التي تعتبر ان ما حازت عليه في الإتفاق الاطاري لايمكن التفريط فيه بالذهاب للقاهرة.

ويعتقد ان الفرص امام مبادرة القاهرة متوفرة للعديد من العوامل اهمها انه منبر تسهله دولة وليست مجرد موظفين سفراء الدول الغربية الذين يظهرون دعمًا للاطاري في كل مراحله، ومنبر القاهرة صمم على انه منبر متعدد الاطراف وبالتالي سيضمن تعددية سياسية في البلاد ويمثل المشاركون فيه كتل حقيقية لقوى سياسية فاعلة يمكنها البدء تهدئة الاوضاع في وسط وشرق البلاد وغربه وكذلك مناطق الحرب، والشرق التي كانت تشهد توترات واغلاقات للمواني والطرق منذ الحكومة الانتقالية الاولى بل تصاعد الاحتجاجات هناك ادت لإضعاف فرص الحكومة الاولى في البقاء .

ايضا يحافظ منبر القاهرة على اتفاقية السلام السودانية الموقعة في-جوبا في ٢٠٢٠م وهو عكس مسار قاعة الصداقة الذي يسعى وينادى منظموه الى تعديل بل الغاء الاتفاق وتعديله في اقل تقدير دون الاكتراث للاوضاع السياسية والامنية الغير مستقرة التي سوف تتبعها نتاج ذلك ، وفي نفس المضمار يؤمن منبر القاهرة بضرورة اكمال عملية السلام مع الحركات المسلحة التي لم توقع على الاتفاقية وفي ذلك تحافظ القاهرة وجوبا على علاقات مميزة سيدفع الطرفين بملف اكمال السلام كقضية رئيسية وليس تكتيكية كما يختصرها اعضاء مسار قاعة الصداقة في اللقاءات ومحافل الصور .

يؤمن منبر القاهرة على بناء علاقة متزنة مع المكون العسكري دون بث للروح العدائية تجاه العسكريين لحساسية التعامل مع الملف ولواقع القوى السودانية وتقلباته السياسية، فالقوى المشكلة لمنبر القاهرة قوى ناضجة تتعامل مع الاوضاع بحجمها مما سينعكس لاحقا لترتيبات أمنية تخلق جيش وطني جديد ومؤسسة أمنية مستقرة تستجيب لتحديات الامن القومي داخليا وكذلك الامن القومي المشترك بين البلدين.

سيؤسس مخرجات منبر الحوار السوداني-السوداني بالقاهرة لخلق علاقات خارجية مستقرة مع دول الاقليم سيما جنوب السودان وتشاد وأثيوبية واريتريا رغم كل شي وبما يحافظ على مصالح البلاد ويؤدي الي الاستقرار السياسي والامني وهو غاية تشترك فيه كل الدول سيما بعد تجربة التدخلات للدول الغربية والامم المتحدة في ليبيا والتي أدت بنهاية المطاف الى تفاقم الاوضاع وخلفت نزاعات مسلحة وخلقت حكومتين احداها في طرابلس والاخرى في بنغازي ، وهذه تجربة ماثلة لايمكن السماح بتكرارها.

ان تنفيذ اتفاقية جوبا وبالتالي عودة اللاجئين والنازحين واحدة من الاجندة التي سوف تبحث في مسار القاهرة وستمهد الطريق للورشة التي ستعقد في الخامس عشر من فبراير شباط الجاري في جوبا بدعوة من حكومة جمهورية جنوب السودان، وبعد فشل مسار قاعة الصداقة في ورشة السلام باقرار ممثل بعثة الامم المتحدة ان غياب أطراف رئيسية منه يؤكد عدم الثقة في القائمين فيه وتخوف ورفض حقيقي من نتائجه ، ففضلا عن انهم كانوا بشهادة الالية الثلاثية انهم لا يحظون بثقة الشارع فاليوم اضيفت جهات اخرى وهي مجتمعات مناطق الحرب واطراف العملية السلمية لا يثقون في مسار قاعة الصداقة.

التعددية السياسية في الحوار السوداني-السوداني بالقاهرة يظهر من خلال من لبوا الدعوة والتي حوت اغلب القوى السياسية الفاعلة مما سوف يمهد لتحول ديمقراطي حقيقي يقود لانتخابات شفافة حرة ونزيهة، عكس ما يقام في مسار قاعة الصداقة الذي يقام على الاحادية السياسية لقوى المجلس المركزي وهو اشبه بحوار الذات .

قضية تفكيك التمكين هي قضية من اهداف وتطلعات الشعب في ثورته وسيضع الحوار السوداني-السوداني اسس جديدة للتعامل معه والتي ستكون وفق الإجراءات القانونية والادارية المعروفة لتحقق غرضها استنادا للتجربة الفاشلة لمجموعة قاعة الصداقة التي انهته المحاكم قرارته السياسية التي كانت فاقدة لاي اساس قانوني وعدلي عنده اتخاذه وتنفيذه، لن يقصى القضاة والنيابة من عملية التفكيك ولن يترك لهم لوحدهم بل سوف تصمم عملية قانونية متكاملة ستبتدرها جهات حكومية وتكملها هيئات العدالة لاستسترد حقوق الشعب السوداني وستحافظ على حقوق المتهمين كاملة دون تشفي او تشهير .

تستطيع الارادة السياسية في الحوار السوداني-السوداني في القاهرة على خلق اجماع وطني سيكون دافعا للقبول به عند قطاع كبير من الشعب السوداني ودول الاقليم والقارة الافريقية والعالم مما سيدفع العديدين الي تغيير نظرات الريبة تجاهه واحترام الارادة واجماع الشعب السوداني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى