(البعث) و (قحت).. قصة الطلاق!!

المصدر : صحيفة الانتباهة
تقرير: عماد النظيف

مساء الثلاثاء كان الجميع متابعاً لمباراة نصف نهائي كأس العالم التي قاد فيها ميسي الارجنتين للفوز على كرواتيا بثلاثية نظيفة، وهنا في الخرطوم وفي خضم الملعب السياسي المحتقن حسم عادل خلف الناطق باسم حزب البعث العربي الاشتراكي موقف حزبه بمغادرة تحالف الحرية التغيير كما هو متوقع بعد الخلافات الجوهرية بين الطرفين حول الاتفاق الإطاري، فالبيان الذي صدر عن البعث المتزامن مع تسجيل ليونيل ميسي هدف الاطمئنان للتانغو لم يكن بالمفاجئ، ولكن مالآت الانسحاب هي ما شكل الحدث، حيث اعتبرها مراقبون بمثابة تمدد مساحات العزلة لقحت في الشارع ويقرب الحزب من لجان المقاومة، وربما يفضي لعودة قوى الإجماع بالتئام البعث والشيوعي في كتلة واحدة ليكون هدفهم هو الحرية والتغيير والعسكر في وقت واحد.
السماء والأرض
(بالنسبة لنا كحزب بعث عربي اشتراكي اذا انطبقت السماء على الأرض لن نصلح ولن ندخل في تسوية سياسية، واذا حزبنا مشى للتسوية سيكتب شهادة وفاته)، بهذه العبارات حسم نائب أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي عثمان ابو رأس موقفهم من العملية السياسية منذ (17) أكتوبر الماضي قبل شهرين من توقيع الاتفاق الاطاري، ليأتي بيان الحزب ليعطي موقفاً رسمياً من بقائه في الحرية والتغيير واتفاق الجيش والمدنيين الموسوم بـ (الاطاري).
وأعلن الحزب في بيان انسحابه من ائتلاف الحرية والتغيير احتجاجاً على توقيع مكوناتها على الاتفاق الإطاري. وقال الحزب إنه بذل قصارى جهده دون جدوى مع الفرقاء في الحرية والتغيير للحيلولة دون ارتكاب هذا الخطأ الاستراتيجي ــ أي التوقيع على الاتفاق الإطاري.
وقال: (إن خيار غالب الائتلاف التوقيع أدى إلى افتراقنا عنهم وانحيازنا إلى القوى الحية لمواصلة النضال لإسقاط الانقلاب).
وأعلن حزب البعث عزمه على العمل على بناء الجبهة الشعبية الواسعة للديمقراطية والتغيير، من أجل توحيد وتنسيق جهود وطاقات القوى السياسية والاجتماعية في الحراك السلمي وصولاً إلى الإضراب السياسي والعصيان المدني.
واعتبر التوقيع على الاتفاق الإطاري بمثابة شرعنة للحكم العسكري وإطالة أمده، إضافة إلى إرباك المشهد السياسي وإضعاف وحدة قوى الثورة.
وقال البعث إن توقيع أغلبية قوى الحرية والتغيير على الاتفاق الإطاري مع الحكم العسكري يتناقض مع الأهداف والمبادئ الأساسية التي من أجلها نشأ هذا التحالف الواسع.
وقال القيادي في حزب البعث بروفيسور صديق تاور: (إن أسباب رفضنا قدمناها فى شكل ملاحظات جوهرية كتابةً، وسلمت لسكرتارية الحرية والتغيير، وشرحتها فى أكثر من اجتماع للمكتب التنفيذي والمجلس المركزى.. ولم تؤخذ فى حينها في الاعتبار. ومع تمسكنا بها وإصرارنا عليها أفردت لها لجنة لمناقشتنا بخصوصها بعد أن تم تحديد موعد للتوقيع.. وجلست اللجنة معنا مرتين ولم تقنعنا بأن ما نطرحه يمكن التنازل عنه).
وقال تاور لـ (الانتباهة): (المسألة بالنسبة لنا فى حزب البعث ليست موقفاً متعنتاً، وإنما هى من وجهة نظرنا خطوة يمكن أن تجر مصائب كبيرة على الشعب والبلد.. وسبب الأزمة الكبيرة التى دخلت فيها البلاد هو انقلاب (٢٥) أكتوبر بقيادة عبد الفتاح البرهان الذى بموجبه ضرب الثورة السودانية فى مقتل، واستأنف نظام البشير من حيث انتهى فى ديسمبر ٢٠١٨م بكل سوءاته وبلاويه التى جرها على أهل السودان. فالتحدي الذى أمامنا كشعب سودانى هو إسقاط الانقلاب وإزالة آثاره واستئناف مسيرة السلطة المدنية، وهذا الاتفاق يمنح شرعية للعسكر ظلوا يسعون لها دون جدوى طيلة عامهم هذا.. ولا يضعهم فى المكان الذى ينبغي أن يكونوا فيه، بل على العكس يكافئهم بإبقائهم على رأس القوات المسلحة، أضف إلى ذلك تعمد تجاهل الاستراتيجية المعتمدة للحرية والتغيير بأولوية بناء الجبهة الممثلة لقوى الثورة التى تسبق الخطوات الحالية، بل مضى التحرك باتجاه قوى محسوبة على النظام البائد وأخرى مساهمة ومساندة للانقلاب.. فضلاً عن حصر الأمر بيد مركزية الحرية والتغيير فقط وتخطى فروعها فى الولايات.. وغير ذلك).
فيما يرى القيادي في الحزب وجدي صالح أن الاتفاق الإطاري لن يحقق شيئاً ولن يحدث تغييراً حقيقياً، لأن التفاصيل التي تم على ضوئها الاتفاق لا تلبي تطلعات الشارع ولا تحقق أهداف الثورة.
استقرار البلاد
وقالت المحللة السياسية إسمهان إسماعيل: (منذ إجراءات البرهان التصحيحية في (25) أكتوبر 2021 لم تشهد البلاد استقراراً بسبب ما يعرف في فقه الثوار بانقلاب العسكر على السلطة المدنية.. وطيلة عام فشلت كل المبادرات لإزالة الخلاف السوداني ــ السوداني والعمل على تكوين حكومة مدنية تحل محل العسكر.. وبالرغم من اعلان العسكر الانسحاب من الحياة السياسية في يوليو الماضي، ولكن فشل المدنيين في توافق بينهم لتكوين حكم مدني وفشل التوافق ادى لتدخل جهات خارجية لاعادة النظام الديمقراطي في السودان، وتلك الجهات تتمثل في الرباعية الدولية (امريكا، بريطانيا، السعودية والامارات)، بالاضافة للمبادرة الثلاثية برعاية بعثة الامم المتحدة لدعم الانتقال والايقاد والاتحاد الافريقي.. وتلك المبادرات أفلحت في تكوين إجماع من مجموعات محدودة متمثلة في قحت المركزي وبعض الأجسام الاخرى، فوقعوا على اتفاق إطاري لتكوين بداية اتفاق سياسي لتكوين حكومة مدنية تقود ما تبقى من الفترة الانتقالية الى بر الامان، ولكن رفض حزب البعث الذي يعتبر جزءاً من قحت المركزي التوقيع، وأصبح في خانة المعارضة رافضا اي جلوس للتفاوض مع العسكر وملتزماً بلاءات الشارع الثوري (لا شراكة.. لا تفاوض.. لا مساومة مع العسكر)، مع انه كان شريكاً اصيلاً لهم في فترات حكومات حمدوك السابقة.. وقد يتمكن البعث من تكوين جبهة واسعة للديمقراطية والتغيير تزيد عدم الاستقرار في البلاد، ولكن لن تتمكن من إلغاء الاتفاق الاطاري او ما يعرف بالتسوية، خاصة انها قوبلت بترحاب دولي واسع، وتضم في داخلها احزاباً كبيرة لها وزنها كقوى الأمة القومي والحزب الاتحادي الأصل.. واعلان انسحاب البعث من قحت المركزي هو تصعيد آخر واضعاف لموقف المركزي، ولكن لن يمنع من مضي قحت المركزي قدماً، خاصة أنها اساس للاتفاق الاطاري.. ومن ناحية اخرى قوبل الاتفاق الاطاري بين العسكر والمدنيين برفض واسع واعتراض من معظم الأجسام السياسية التي معظمها متكتل في مبادرة نداء اهل السودان التي تضم احزاباً كانت مشاركة في حكومة الانقاذ وجزء منها داعم للعسكر، مما يستبعد تحالف البعث مع هذا التكتل، وقد يكتفي بتحالف الشارع الثوري العريض والشيوعي، ومع ذلك لن يحدث اختراقاً او يغير معادلة تكوين حكومة مدنية برعاية اجنبية سببها عدم توافق السودانيين فيما بينهم.. والموقف صعبة قراءة مآلاته خاصة في ما يتعلق بحزب البعث الذي انسحب من قحت المركزي وله خلافات مع معظم الجهات المعارضة للاتفاق).
عزلة قحت
لم يكن المحلل السياسي محيي الدين محمد محيي الدين مستغرباً خروج البعث من الحرية والتغيير، وقال: (كانت مؤشرات هذا الأمر واضحة منذ يوم (٢٤) أكتوبر، حيث عقدت قوى الإجماع الوطني ندوة تحضيرية لمسيرات (٢٥) اكتوبر تزامناً مع ذكرى مرور عام على إجراءات فض الشراكة. ولعل التباينات في موقف البعث من مضى الحرية والتغيير في التفاوض سراً مع قادة الجيش كانت مؤشراً على مفارقة خطى البعث المجلس المركزي). ويظن محيي الدين ان نقطة الخلاف هي اصرار البعث على إسقاط ما يسميه الانقلاب، في الوقت الذي توفرت فيه ــ حسب ظنه ــ معطيات تشير الى عدم رغبة الفاعلين الدوليين في رؤية اي دور للحزب في مستقبل العملية السياسية. أما من ناحية التأثير فقد اعتقد محيي الدين ان خروج البعث الذي سماه فراقاً لتخفيف وطأة الكلمة، سيزيد عزلة قحت في الشارع ويقرب الحزب من لجان المقاومة، وربما يفضي لعودة قوى الإجماع بالتئام البعث والشيوعي في كتلة واحدة ليكون هدفهم الحرية والتغيير والعسكر في وقت واحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى