طاهر المعتصم يكتب : مشاهدات في العاصمة المقدسة

 

قد تغيب لسنوات عن اول بيت وضع للناس الذي ببكة، لكن عندما يتيسر لك العودة يحملك شعور الحنين الجارف، لأماكن لك فيها ذكريات، حتى طائر حمام الحرم تحس انك تعرفه ويعرفك عندما يلتقط الحب من يديك، كأنما (عتيق) وصفهم في (رونق الصبح البديع قوم يا حمام حي الغمام).

مرتدياً قطعتين من لبس الاحرام، اشبه ما يكون بكفن المسلم عند وفاته، بدلا عن الموت تتجدد فيك الحياة، ملبياً لبيك اللهم عمرة، احساس الانبهار برؤية الكعبة المشرفة اول مرة بعد غياب يتكرر، الامواج البشرية من جنسيات متعددة والسن مختلفة واعمار متنوعة ذاك عجوز وهذا طفل يحمله ابوه وتلك سيدة طاعنة في السن وهذه رضيعة وشباب وشابات.

تجعل البيت المعمور على يسارك وتدور طائفاً عكس عقارب الساعة يكون القلب اقرب ما يكون للكعبة، سبع لفات، قبل ان تصلي ركعتين في مقام ابو الانبياء، الذي ترك ذريته بوادي غير زي زرع، تنتقل لمشهد الام التي تجري صاعدة الجبال لعلها ترى قافلةً اتيه، فتجد شربة ماء للطفل الصغير، وما درت ان الطفل قد دق بقدمه الارض عطشاً فتدفقت زمزم تسقي الناس حتى زمانهم هذا.

مئات الالاف من البشر يتدفقون عبر الابواب الكثيرة عند كل نداء للصلاة، غير الافواج التي تدخل في ساعات اليوم الاربعة والعشرين، ادارة الحشود البشرية اضحت علماً يدرس ويمارس هنا، النُزل العديدة في انحاء البلدة الحرام، تمتلئ وتفيض بالزوار والمعتمرين، اماكن المأكل والمشرب تتوزع، سُنة الوقف تطبق افضل ما يكون، هذا كرسي ثابت وذلك متحرك وتلك مبردات مياه وهذه عقارات وغيرها كلها وقف لله تعالى.

اعمال النظافة لا تتوقف ليلاً او نهار، العمال يعملون بين احدهم والاخر حوالي 10 امتار، يكادون يلتقطون الورقة قبل ان تسقط، شبكة كبيرة من وسائل النقل تخدم الزوار، ما بين الحرم واماكن الفنادق، وما بين منطقة التنعيم مسجد السيدة عائشة رضي الله عنها، لمن رغب في الاحرام لعمرة ثانية.

تلك مشاهدات في عاصمة المسلمين المقدسة التي تهوى اليها الافئدة، بلدة آمنة وتجبى اليها الثمرات من كل شئ من لدن حكيم خبير، تدار بافضل اساليب الادارة الحديثة، اياماً نقضيها ضيوفاً على الرحمن، فجرها ليس كأي فجر وصباحها رونقه بديع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى