بُعْدٌ .. و .. مسَافَة – مصطفى ابوالعزائم – في ذكرى 30 أكتوبر 1964م

قد يتساءل سائلٌ عن العلاقة بين أحداث هذين التاريخين ، رغم أن الفرق الزمني بين الأحداث فيهما ثمانية وخمسين عاماً ؛ لكننا لابد من نقف قليلاً عند المشهد السياسي السوداني آنذاك ، وما هو عليه الآن .
سبق أن أشرت إلى أنني تفرّغت لمدة ثلاثة أيام كاملة للوقوف على تفاصيل أحداث ثورة أكتوبر 1964 م ، وقد كان أحد مراجعي كتاب ” يوميات ثورة أكتوبر 1964م” للبروفيسور كليف تومسون ، ذلك البريطاني الذي سجل يوميات تلك الثورة إبان عمله محاضراً في كلية القانون بجامعة الخرطوم التي عمل بها لعدة سنوات .
الآن نعيش أيام ما يمكن أن نطلق عليه عصر الفوضى السّياسية التي تفرز فوضى عارمة في كل جوانب المشهد ، ونحن في أواخر شهر الثورات أكتوبر ، فوضى ناتجة عن عدم الإتفاق والتوافق والوفاق ، وقد كان الحال كذلك في مثل هذا اليوم الثلاثين من أكتوبر عام 1964م بعد نحو عشرة أيام من إندلاع الشرارة الأولى لتلك الثورة الشعبية ، التي أطاحت بحكم الفريق إبراهيم عبود ورفاقه الكرام رحمهم الله وغفر لهم .
ظللت على قناعة تامة بأن التوافق والوفاق كانا ثمة القوى السّياسية في عام الثورة ذاك ، وكنت قد حاورت بعض رموزها حوارات موثقة في عدد من الصحف ، وكان من بينهم السادة الإمام الصادق المهدي رحمه الله والسيد الإمام أحمد عبدالرحمن المهدي أمد الله في أيامه ، والدكتور حسن الترابي والدكتور طه بعشر ، والأستاذ أحمد سليمان المحامي ، والأستاذ ميرغني النصري ، رحمهم الله وغيرهم من شهود تلك المرحلة المفصلية في تاريخ بلادنا .
من خلال مراجعاتي ليوميات ثورة أكتوبر ، إكتشفت أن ذات حالة عدم الإتفاق والتوافق بين القوى السّياسية الحالية كانت هي ذات الحالة آنذاك ، إذ أنه في يوم الجمعة الثلاثين من أكتوبر عام 1964م قدمت اللجنة الرباعية ، وهي لجنة مصغرة تم تكوينها من أربعة أفراد في التاسع والعشرين من أكتوبر لمناقشة الترشيحات الخاصة بشغل مناصب رئيس الوزراء والوزراء ، وكان السيد الصادق المهدي يمثل المدنيين واللواء عوض صغير يمثل العسكريين ، وهما العضوان الدائمان في اللجنة بينما يتناوب الآخرون العضوية ، نقول إن اللجنة الرباعية تلك كانت قد قدمت تقريرها الأول وتمت إجازة أسماء الذين إختارتهم أحزابهم كمرشحين أوائل دون كثير نقاش ، وكان أسعد الناس بتلك الموافقة كما جاء في كتاب يوميات ثورة أكتوبر 1964م الأستاذ أحمد سليمان المحامي لأنه كان يدرك إن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إختيار وزير شيوعي بإسم حزبه العلني وليس تحت واجهة نقابة أو جبهة ديمقراطية في حكومة ديمقراطية في العالم الثالث قاطبة ، ورشح حزب الأمة الأستاذ محمد أحمد المحجوب كرئيس للوزراء وقدم الأستاذ أحمد السيد حمد نفسه كمرشح أول لحزب الشعب الديمقراطي وإختار الحزب الوطني الإتحادي الأستاذ مبارك زروق كمرشح أول له .
في ذلك الإجتماع وما تلاه أثار إختيار جبهة الهيئات لمرشحيها للوزارة والذي عرضته اللجنة الرباعية المصغرة ، أثار ذلك الإختيار موجة عارمة من الإعتراضات والخلافات وبلغ الخلاف والشقاق حداً جعل بعض المتفاوضين يهددون بالإنسحاب من المفاوضات ، وقد قامت الوساطات والأجاويد لتهدئة الأحوال إلى أن تعاود اللجنة الرباعية مساعيها مرة أخرى للتوفيق بين الشركاء المتشاكسين .
ما أشبه الليلة بالبارحة ، وما أشبه ثلاثين أكتوبر من العام 1964م بثلاثين أكتوبر من عامنا هذا 2022م ، وليتنا نتعلم من التجارب والدروس .

Email : sagraljidyan@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى