أخر الأخبار

هشام الكندي يكتب : جثمان كابلي : غياب البرتوكول الوطني

الخرطوم الحاكم نيوز

ظل أهل السودان عبر تاريخهم لا يعرفون قدر أبنائهم الأفذاذ الذين صاغوا تاريخنا الإنساني والفكري والأدبي ، فشواهد التاريخ ليست ببعيدة فالكثيرون الذين مضوا إلى الله بعد تاريخ حافل بالإنجاز ، فرفاة عميد الفن السوداني الحاج محمد أحمد سرور ترقد بمقبرة شيخ الأمين بدولة اريتريا بالعاصمة أسمرا بعد وفاته بها العام 1946 بعد إحياء عدة حفلات غنائية بها ونقشت على رخام قبرة آبيات الشاعر السوداني محمد كرف (سبحت اول ما صدحت مغردآ بإسم الديار وكنت أروع من شدا) كما ترقد رفاة شاعر أفريقيا محمد مفتاح الفيتوري بازخة بالرباط المغربية بعد وفاته بها 2015 ونقش على رخامها ( لا تحفرا لي قبرا سأرقد في كل شبرا من الأرض ارقد كالماء في جسد النيل) ومثليهما يرقد قبر الشاعر السمح السر قدور بمدينة 6 اكتوبر المصرية بعد َوفاته في مارس 2022 بعد أن شذب وجدان اهل السودان على شاطيء النيل السعيد (وأرض الخير أفريقيا مكاني أرض النور والعزة زماني)

خير ما آوصى الدكتور الموسيقار عبدالكريم الكابلي بأن ينم غرير العين بمدينة الصبابي بالخرطوم بحري كيف لا تكون وصيته فهذا هو تراب الوطن الذي حباه واحب اهله بين الساحل والنيل والصحراء بين تكبيرات مآذنها وأجراس كنائسها بين الخلاوي والأضرحه بين الترماي والاسكلا بين البان جديد والرجاف وتوتيل وجبل مرة وبين شيكان والمك نمر ومهيرة السودان و مندي عجبنا بين الأتبراوي وآربعات بين سرور وكرومة بين النخيل والأبنوس بين النحاس والدلوكة بين العرضة والشبال بين عيال ابجويلي وسلطان بحرالدين بين الجلابية والعراقي والسديري وبين العبادي ودحد الزين و بين الأزهري والمحجوب وابعاج بين الحيشان التلاتة بين هذا السودان المستف بالجمال المسدل الضفائر عاش كابلي بين ضلوع الوطن العزيز (يا قمر دورين انا شفتك وين طبعا في الليل في ضفائر النيل في رمال سهرانة راجياك تسيل) .

فكابلي (ماهو الفافنوس ماهو الغليد البوص ود ألمك عريس خيلا بجن عركوس أحي علي سيفو البحد الروس) وكابلي (يا القمره الماك شهير يا الرأسي الماك صغير أبوك بساطي القبيل تبراهو الشعبه والجنزير خت كرسيه العديل وكورك قال ياغفير سيفو بدلي الجفير العاداك وين بطير شقيا صادف نكير) فحين يتغنى كابلي تكون للكلمات معني وشجون فهو المثقف الأديب المغني العالم بامهات كتب الثقافة السودانية شرحا ومعنى فحين تغنى لآسيا وأفريقيا للشاعر تاج السر الحسن كان الزعيم جمال عبدالناصر يقبل رأسة على خشبة المسرح القومي ستنيات القرن الماضي وتغنى بها لمؤتمر باندونق بجاكارتا لحركة عدم الإنحياز إلى مؤتمرات القمة الافربقية والعربية التي استضافها السودان مؤخرا شدا بها كابلي ( عندما اعزف ياقلبى للأناشيد القديمة ويطل الفجر في قلبي على اجنح غيمة سأغني أخر المقطع للأرض الحميمة للظلال الزورق في غابات كينيا والملايو) فالحقيقة الماثله كان كابلي مع الكبار المثقف الأديب المفكر المؤرخ يضاهي زرياب والموصلي وحافظ وطاغور المغني .

بعد تسعة أشهر على وفاته عاد جثمان الدكتور كابلي إلى تراب الوطن حسب وصيته ، وماشهده مطار الخرطوم لمراسم وصول الجثمان يجعلنا بعيدين كل البعد عن ترتيب الإحتفاء وفق المراسم والبرتوكول فقامة مثل كابلي حرام ان تخرج بهذا الشكل في حين حضور شخصيات بالجمهورية والولاية هل يعقل ان تتحرك سيارات موكب الجثمان دون عربات ومواتر تشريفة القصر الجمهوري أين كانت مراسم القصر وإن حضر مديرها غاب طاقم التنظيم والبرتوكول بالله عليكم تجري عربات (السرينة) مع السياسيين ورتب الخلا ليل نهار يملا ضجيجها شوارع الخرطوم بالله عليكم ماذا قدم الساسة طوال العهود للوطن سواء الحرب والخراب بالله ماذا كان يضير رئاسة الجمهورية حين تفرش السجاد الأحمر ويعزف له النشيد الوطني ولو كان قاصرا للشخصيات الرسمية حسب البرتوكول يعزف له ماخلده من إرث موسيقى وغنائي ويحمل الجثمان عبر الطابور من الطائرة لسيارات موكب التشريفة ويكون أفراد المراسم بالبدل السوداء (تصور روعة المشهد) وهل سيحمل جثمان بمكانة ورفعة اكثر من الكابلي واذا كانت قاعدة البرتوكول لهذه المراسم مختصرة للساسة فقط فاولى بها هؤلاء لأنهم لم يإتوا للشعب عبر ظهور الدبابات او صناديق الاقتراع لكنهم أتوا عبر قلوب الشعب المليونية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى