
لقد بات عجز معظمنا واضحاً في أكثر أمور تصريف حياتنا ، حتى عن استيعاب حجم ما وصل إليه حالنا من المعاناة الكامنة وراء تلك الأرقام الحزينة في تلك التواريخ المخصومة من عمر زماننا هذا المليء بالمفاجآت و التي تتزايد و تتضاعف على رأس كل ثانية لتروي لنا عظم المأساة الناجمة من إنعدام الإحساس الذي أصابنا حتى صرنا لا نحس بما يجري حولنا من كارثة ، فأصبحت الطريقة التي يتعامل بها الأغلبية مع مثل هذه النوازل و الكوارث التى نمر بها هذه الأيام عبارة عن حالة تبلد تزداد يوماً بعد يوم ، إلى أن أصبح الناس يشعرون بالضجر من كثرة الأخبار التي تأتي إلينا بتفاصيل أكثر إزعاجاً و خصوصاً التي تحدث بسبب الكوارث الطبيعية ، حيث صار أكثر الناس يتجنبون سماعها أو مشاهدتها ، فقد بات في حكم المؤكد إصابة الجميع بمرض (الخدر النفسي) ، فكلما كان عدد المفقودين أكبر من حجم طاقة تحمل الناس كلما أصبح الأمر عادياً و تفاعل الناس معه بصورة أقل اهتماما و اكتراثا” ، فنجد حينما ترتفع إحصاءات الخسائر و خصوصاً البشرية منها ، تقل معها حساسية التفاعل عاطفياً . و دائماً يؤدي ذلك إلى التقليل من ردود الأفعال المضادة التي تعكس هذا الإحساس المتبلد .
حجم الكارثة التي حلت ببلادنا من جراء السيول المدمرة و الأمطار الغزيرة التي أتت فوق حدود التصور و خارج إمكانياتنا الضعيفة جداً ، حيث أتت في ظروف إستثنائية بسبب الصراع السلطوي على وطن مثقل بالجراحات و تحاصره كثير من الشوائب و المفاجآت المحزنة في كل يوم جديد ، فهل يستطيع أن يتخيل أحدكم أن عدد المنازل التى إنهارت كلياً في حدود ال 24 ألف منزل ، و ذلك يعني تشريد 24 ألف أسرة ، و كما أن التى إنهارت جزئياً في حدود ال 36 ألف منزل و هذا خلاف المرافق العامة التي بلغ عددها 102 مرفقاً و و كذلك 70 متجراً و مخزناً ، هذه الكارثة الطبيعة خلفت دماراً شاملاً وهذا خلاف عدد الضحايا الذين تجاوزوا ال 100 شخص و المصابين الذين كان الحصر الأولي لهم قد تجاوز ال150 شخصاً ..، و حيث تجاوز نفوق البهائم أعداد ضخمة لم يتمكن الناس من حصرها بصورة دقيقة .
من موقعي هذا فإني اناشيد الأسرة الدولية قاطبة و أخص بذلك الأسرة الإقليمية و التي هي القوة الحقيقة و السند الذي عودنا بالوقوف معنا ، حيث ينداح إليهم كل عشمنا لأنهم أهل نجدة و فزعة ، و كما أناشد الأمم المتحدة عبر وكالاتها المختلفة و جميع المنظمات الطوعية و الإنسانية المحلية و العالمية و جميع وكالات الأغاثة بالإسراع الفوري للوقوف مع شعبنا المكلوم الذي فقد المأوى و الغذاء و حتي الماء الصالح للشرب أصبح من الصعوبة بمكان توفيره ، و لكل هذه الأسباب مجتمعة أرجو منهم الوقوف معنا لمواجهة هذه الكارثة التي ألحقت خسائر إنسانية غير متوقعة في الأرواح و تسببت في إزالة قري بأكملها من خارطة هذا الوطن ، حيث ألحقت هذه الكارثة نفوق أعداد يصعب حصرها الآن من الثروة الحيوانية ، الشيء الذي سيعرض البلاد و العباد إلى خطر مجاعة وشيكة ، فإذا كانت هنالك معاني يفرضها العالم الغربي عبر منظماته تحت مسمى حقوق الإنسان فالآن أتى الوقت الذي يتمايز فيه الناس حسب مواقفهم الإنسانية ، فإننا نرجو من الجميع أن يترجموا هذه المعاني على أرض الواقع لبعكسوا حقيقة التعاون الدولى إذا كانت لهم قناعات تحمل هذه المعاني و المعايير ، و لكن يظل أهل الخير هم أهل الخير و الأقرب دائماً لنجدتنا ، فلقد ترجمت دول الخليج العربي تلك المعاني الحقيقية إلي أرض الواقع إمتثالاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه النعمان بن بشير : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، فالشكر أجزله و أجمله للملكة العربية السعودية (مملكة العطاء) و لدولة الإمارات العربية المتحدة (إمارات الخير) و لدولة قطر (الإنسانية المجردة) ، و لجمهورية مصر العربية التي بانت لنا مواقفها العظيمة عند هذه النازلة ، و كما أخص بالشكر كل الدول التى أبدت إستعداداً لمساعدة شعبنا و لو على سبيل التعاطف ، و لكل من شاركنا و لو بالدعاء .. فنحن نعجز عن التعبير في وصف مضمون ما نكنه لهم من أسمى آيات الشكر و العرفان و الإمتنان .
فالحمد لله على ما أصابنا ، حيث تقبل هذا الشعب هذه المحنة بصبر و جلد شديدين ، و قطعاً أن أمر المؤمن كله خير لقوله تعالى {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ، و بعزيمة أهل السودان المعهودة فيهم سيستطع الجميع قلب هذه المحنة إلى منحة ربانية بإذن الله تعالى ، و بالصبر سيعوض الله الجميع و بالابتسامة سنتجاوز الحزن و الهموم و بالكلمة الطيبة سنتجاوز الكراهية و ستكون هذه النازلة إتحاداً لشعبنا بعد أن فرقتنا الجهويات و المناطقيات و خذلان الساسة ، و سيخرج منها هذا الشعب العظيم بإذن الله تعالى و هو أكثر قوة و منعة و إتحاداً .