عمار العركي يكتب : من “جرف” الفشقة “لدحديرة” بورتسودان ، يا سودان لا تحزن

(من جرف لدحديرة يا قلبي لا تحزن) هو مثل شعبي حجازي سعودي، يعني في اللغة العربية الفصحى “يخرج من مصيبة ليدخل في مصيبة أخرى”، ويقال هذا المثل عندما يكون الشخص غير متأنياً في قراراته وأفعاله ، فلا يلبث أن ينتهي من مشكلة حتّى يقع في حفرة مشكلة أخرى.
سبب هذه الرمية – مع تحياتنا لأستاذنا عبد اللطيف البوني – ذاك الخبر الذي ضجت به الأسافير، والذى مفاده أن (الحكومة السودانية ترتب للإعلان عن اتفاق لإنشاء ميناء جديد بمواصفات حديثة شمال مدينة بورتسودان بتمويل اماراتي – شركة ابوظبي القابضة – وذلك ضمن مشروعات زراعية واستثمارية تبلغ تكلفتها ستة مليار دولار شراكة مع مجموعة دال) ، اضافة لكثير من الحوافز والإغراءات تجدوها فى محتوى الخبر ، وحتى لا أطيل اليكم بعض من روابط الخبر بالتفصيل : https://alzrgamedia.net
https://altabia.net https://www.sudaninet.net
على الرغم من عدم وجود تصريح حكومى رسمى ينفى أو يؤكد الخبر، سنتناول الخبر بالقراءة التحليلية مع بعض الإضاءات المهمة :ـ
بدأت الإمارات قبل عدة سنوات مشروعاها السياسي بالمنطقة ـ وإن ظل الاقتصاد ركناً أساسياً فيه ـ حيث لم يعد البترول وحده هو المحرك ولا عمود الأساس للإمارات ،بعد أن أدركت الإمارات مدى أهمية الموانئ البحرية في الاقتصاد العالمي فأقامت مؤسسة موانئ دبي.
وبعد أن أصبحت رقماً صعباً في محيطها بدأت في التوسع خارج حدودها نحو اليمن والقرن الإفريقي ، بعيداً عن مناطق نفوذ السعودية التي تركت لها الإمارات قيادة الخليج والعالم الإسلامي، لتخلق لنفسها دوراً أكثر أهمية وتأثيراً خارج محيطها الإقليمي الخليجي الملئ بالنزاعات ومحاولات السيطرة والمنافسة ، ولربما يكون تصدرالسعودية للمشهد السوداني مؤخرا والتقارب المفاجئ مع الولايات المتحدة علي حساب الإمارات ،دفع بالأخيرة إلي إثبات حضورها ونفوذها عبرتواجدها في شواطئ بورتسودان.
عموماٌ، في هذا الإطار أبرمت الإمارات عدداً من الاتفاقيات مع دول المنطقة لإيجار وتشغيل موانيها، وصُفت من قبل بعض المراقبون ب”الفاشلة” لتسببها فى عدم الإستقرار بتلك الدول ، والتي باتت بين “دحديرة” المحاكم والتقاضي و”جرف” معارضتها السياسية الداخلية ومواطنيها المتضررين – بكبسة ذر فى محرك البحث ” قوقل” نجد سلسلة متلاحقة من الفشل الاماراتي الذريع خلال مساعيها لتحقيق مصالحها الإقتصادية بإيجار موانئ دول المنطقة – ولكن لفائدة المقال والتحليل لا ضير من سرد مختصر لبعض النماذج:
أغسطس 2012 ، قررت الحكومة اليمنية إلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن الإستراتيجي لشركة موانئ دبي العالمية، وكان وزير النقل اليمني – حينها – “واعد باذيب” قد طلب عقب توليه الوزارة من الشركة الإماراتية تعديل اتفاقية تأجير الميناء أو إلغاء الاتفاقية، التي وصفها بأنها مجحفة بحق اليمن، وأنها أبرمت في ظروف راعت المصالح السياسية أكثر من الاقتصادية، وقتها ذكرت مواقع إخبارية يمنية أن اتفاقية التأجير أثارت جدلا منذ التوقيع عليها في العام 2008.
فى العام 2015 ، نشرت وسائل الإعلام المختلفة حينئذ اتفاق السلطات الأرترية والإماراتية عبر اتفاق بين مؤسسة الموانئ الإماراتية وبين الحكومة الأرترية، يقضي الاتفاق بأن تتحصل أرتريا على30% من إيرادات الميناء بعد تشغيله بواسطة المؤسسة الأماراتية، التى بدورها تدفع مقابلاً سنوياً لإرتريا إيجارًا مالياً ،ويستمر الإيجار الإماراتي لمدة 30 عاما قادمات حسب الاتفاق ، ولكن بعد الانسحاب الإماراتي من اليمن نقضت الامارات الاتفاق وتركت السلطات الارترية فى “دحديرة” التعويض و”جرف” المعارضة والمواطنيين الذى ناهضوا الاتفاقية إبتداءً.
في فبراير 2018، أعلنت شركة ميناء جيبوتي، التابعة للحكومة، إنهاء اتفاقية مشروع مشترك بينها وبين موانئ دبي العالمية متعلق بمرفأ “دوراليه” للحاويات بميناء دوراليه في جيبوتي بسبب عدم تسوية نزاع تعاقدي قائم منذ 6 سنوات، – بحسب تقرير لرويترز- وفي مارس من نفس العام قالت جيبوتي إن موانئ دبي العالمية تقاعست عمداً عن تطوير محطة الحاويات وغيرت مسارات شحنات لتمر عبر ميناء جبل علي في دبي- بحسب تقرير لرويترز.- وبعدها حصلت موانىء دبي في يوليو من العام نفسه على حكم من محكمة تحكيم في لندن لصالحها يفيد بأن الاتفاقية لا تزال سارية وإلزام حكومة جيبوتي بدفع غرامات مالية ـ مما يعنى ميتة وخراب ديارـ وتبع هذا الحكم 5 أحكام لاحقة لصالح موانىء دبي من محاكم تحكيم دولية مختلفةـ بحسب بيان المكتب الإعلامي لحكومة دبي ـ
فازت شركة “دي بي وورلد” الامارتية في عام 2017 بعطاء قيمته 336 مليون دولار لتطوير وإدارة ميناء بوصاصو لمدة 30 عاما. واعترض كثير من السكان على الصفقة، ونظموا احتجاجات قُتل فيها شخص على الأقل، وقالوا إن الصفقة ستؤدي إلى زيادة الضرائب في الميناءـ بحسب وسائل إعلام صومالية ـ كما أبرمت شركة “دي بي وورلد” اتفاقا مماثلا لميناء بربيرا في منطقة أرض الصومال المجاورة، التي أعلنت استقلالها عن الصومال.
وكانت الحكومة الصومالية الفيدرالية قد أعلنت إلغاء الاتفاقات، واتهمت الشركة بانتهاك سيادة البلاد. وفي وقت لاحق، أقر البرلمان والحكومة المركزية فى الصومال إلغاء اتفاقية تشغيل الميناء مع الإمارات وإقرار مشروع قانون يحظر نشاط شركة “دي بي وورلد” الإمارتية بالصومال.
خلاصة القول، من المتعارف عليه في عالم الإستثمار والتجارة وإبرام الصفقات والإتفاقيات توفر السمعة السوقية والكفاءة الفنية والإدارية والإلتزام التام بنصوص الأتفاق ، فعلى الحكومة السودانية التريث والتأنى وعدم الإسراع فى إبرام الإتفاق وإخضاعها لمزيد من الدراسة، ولها فى تعاملها مع “دحديرة”المبادرة الإماراتية بخصوص مشاريع آراضي الفشقة الزراعية “أسوة حسنة” لتجاوز “جرف” مشروع ميناء شمال بورتسودان الجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى