تأملات – جمال عنقرة – العسكريون .. جواد رهان الجميع

كنت قد كتبت مقالا قبل نحو أسبوع تقريبا بعنوان “العسكريون.. شيلوا شيلتكم” ذكرت فيه أن كل القوي السياسية والحزبية المختلفة، والحركات المسلحة، وكثير من مكونات المجتمع المدني ظلت تستخدم العسكريين لتحقيق أهدافهم ومطامعهم السياسية، وضربت لذلك أمثلة كثيرة، ومنذ أن كتبت هذا المقال المشار إليه آنفا وحتى اليوم، تؤكد كل الدلائل والوقائع والشواهد والبراهين صدق ما ذهبت إليه، وليست القوي السياسية الوطنية وحدها التي تراهن علي العسكريين، ولكن حتى القوي الخارجية كلها تراهن علي العسكريين علي تحقيق أهدافهم ومراميهم، بمن فيهم الذين يسعون إلى إسقاط العسكر، ولعل تعليق السيد فولكر بيرتس ومجموعته الثلاثية الحوار المباشر، واحدة من هذه الأدلة، وتضاف إليها أيضا مبادرة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية السفيرة موللي التي جمعت فيها اللجنة الثلاثية العسكرية مع قادة مركزية الحرية والتغيير في منزل السفير السعودي السيد علي حسن بن جعفر ضاحية كافوري ببحري، ولقد فتح هذا اللقاء الباب لتكهنات بتطور الحوار بين العسكريين والمركزية بما يمكن أن يفضي إلى إحياء وتجديد الشراكة المنهارة بين قحت والعسكر، ومنها أيضا الإجتماع بين الجبهة الثورية واللجنة العسكرية الثلاثية والذي حرصت فيه الجبهة الثورية علي الاطمئنان علي مكتسبات سلام جوبا، وأن مشاركتهم في السلطة لن تتأثر بأي اتفاق يمكن أن يبرمه العسكريون، ومن دلائل الرهان علي جواد العسكر احتفاء منسوبي ومحسوبي النظام السابق بحديث السيد البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة للقيادات العسكرية في القيادة العامة والذي أكد فيه أن القوات المسلحة لن تدخل في أي إتفاق ثنائي، ومبعث إحتفاء هؤلاء واحتفالهم أنهم كانوا يتخوفون من رضوخ العسكريين للضغوط التي تمارس عليهم للعودة إلى ما قبل الخامس والعشرين من شهر اكتوبر الماضي، وتعود السلطة والسيطرة لخصومهم الذين يتربصون بهم.
المشكلة الكبيرة، والتي أشرت إلى بعضها في المقال السابق أن كل هؤلاء الذين يراهنون علي العسكريين ليس من بينهم من يفعل ذلك لمصلحة الوطن، وليس لأحد منهم ثوابت أو عواصم، وأنهم جميعا يسعون إلى أن يكسبوا ويخسر كل من سواهم، والذي لم أشر إليه في المقال السابق، أنهم جميعا ينظرون إلى العسكريين نظر الملك إلى سنمار، وقصة سنمار معروفة، وصارت مضربا للمثل “جزاء سنمار” ومعلوم أن سنمار بعد أن بني قصرا فخيما للملك، صعد به الملك إلى أعلي قمة القصر ثم أمر جنده ليقذفوه أرضا فلقي حتفه، وفعل الملك ذلك حتى لا يبني قصرا مثل قصره، لغيره من الملوك، وهكذا يفعل المتهافتون علي العسكريين، يريدون أن يصعدوا علي اكتافهم إلى كراسي الحكم، ثم يقذفون بهم ليلاقوا حتفهم.
وليس ذلك تحريضا للعسكريين علي غيرهم من القوي المدنية المختلفة المتصارعة، ولكنه لفت نظر قوي، ولا أدعي أني أفعل ذلك حرصا علي مصلحة العسكريين، مع أن ذلك أمر لا نستحي منه، وللجيش علينا أهل السودان فضل عظيم، ولكنني أفعله أولا لمصلحة بلدنا وشعبنا العظيم، فكل الذين يتصارعون علي كراسي الحكم، يعلون من شأن مصالحهم علي شأن الوطن، ولو أن العسكريين انتصروا لأي طرف منهم، ونصروه علي الآخرين، تكون خسارة البلد في ذلك كبيرة، وسيكون العسكريون أول وأكثر الخاسرين، والمخرج الوحيد الآمن السليم أن ينصرف العسكريون عنهم جميعا، ويعتمدون علي إدارة البلاد في ما تبقي من عمر المرحلة الإنتقالية إلى تكنوقراط وطنيين مهنيين، إلى أن يختار الشعب عبر انتخابات حرة نزيهة شفافة من يفوضونه لحكم البلاد، فيرد إليهم العسكريون أمانتهم، ويعودون إلى ثكناتهم معززين مكرمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى