عمار العركي يكتب : السياسية الخارجية ، و سُواقة الخلا

عمار العركى

لاجدال أن قضايا الهوية والتاريخ السياسي السوداني هي من إشكاليات عدم التطور الذي لازم إخفاقات الحكومات الوطنية المتعاقبة على السُلطة في السودان وأن أزمة السُلطة والحُكم كانت ولا تزال من أخطر وأعقد المشاكل التي تهدد السودان في كيانه، والتى أثرت بشكل مباشر على علاقات السودان الخارجية من حيث شكل ومضمون تلك العلاقات .

فمنذ إستقلال السودان وحتى اليوم، تسير عربة العلاقات والسياسة الخارجية وفق مصطلح التغيير الثورى (سُواقة الخلا)، ولكن بإسلوب دبلوماسي في إطار التشاكس والننافس السياسى المحلى حول السُلطة والحُكم ، بمعزل عن المصالح الوطنية المرتبطة بالخارج .

ففى حقبة ثورات التحرر وبعد الإستقلال والحرب الباردة كانت السُواقة فى خلا العلاقات قائمة على ” عدم الانحياز والوحدة العربية وفرمالة اللأءات الثلاثة” بدون تحقيق مصالح حقيقية ، بل كانت بعض من تلك المواقف خصماً وليس إضافة.

حقبة السبعينات ومنتصف الثمانينات كانت “سواقة الخلا” بسبب الأزمة السياسية الداخلية والتى على ضؤها، تحولت العلاقات الخارجية من المعسكر الإشتراكي الى الرأسمالي قبل أن تستقر الحفبة بالمعسكر الإسلامى ، فتهالكت عربة العلاقات بعد فقدت مواصفات الثقة والآمان.

منذ نهاية الثمانينات وحتي سقوط الإنقاذ و على مدار ثلاثة عقود كانت أولويات السياسة الخارجية لنظام الإنقاذ في تعزيز قدرة النظام على البقاء في السُلطة والحُكم على حساب علاقات السُودان الخارجية وتحقيق مصالح السودان الوطنية ، فكان وأن جاءت الانقاذ،”بمكنة” دفع رباعى جديدة ، بقوة 89 حصان.

فى العشر سنة الأولى لنظام الإنقاذ كانت “سُواقة الخلا” بتطرف وتهور وعداء غير مبرر ، ثم تهدئة للسرعة والمهادنة في العشر الثانية ، قبل أن تتحول السُواقة الى “فن وذوق” فى العشر الآخيرة ، ولكنها “تعثرت وتعطلت” بسبب حفر ومطبات الشارع.

الشاهد في كل تلك المحطات ، بأن الصراع الثنائى الداخلي بكل أشكاله “معارضة وحكومة”، “أحزاب سياسية و سلطات عسكرية” ، اتخذت من الخارج اداة لتصفية الحسابات ، فكان وأن بُنيت العلاقات والسياسات الخارجية على هذا الأساس الهش ، فتم تغذية الراي العام بنظريات الإستهداف والتأمر الخارجى ، وتبادل الإتهامات بالإستبداد والعمالة والإرتزاق ،والتى غالبها فى إطار الكيد والإقتيال السياسى والقضاء على الخصومة.

أيضاً، نجد هذا الوضع داخل المكون الواحد (معارضة كانت او حكومة) ، تجلى ذلك فى حقبة الانقاذ ذات الثلاثة عقود – نصف عمر سنين الإستقلال – فعلى سبيل المثال، كان هنالك صراع وتنافس حول الملفات والعلاقات الأمريكية بين القصر والخارجية وجهاز المخابرات بصورة أضرت بالمصالح الوطنية، ولا زال السودان يدفع ثمن تلك السياسية التي تركت انطباع سئ لدي الخارج وافقدت السودان الثقة والاحترام، وأكاد أجزم لو أن الإنقاذ أدارت فرصة التعاطي الأمريكى معها، وخطوة رفع العقوبات بوعى ومهنية لما سقطت.

هذا المشهد يعيد نفسه مع اختلاف في السناريو والابطال ، فها هو المحيط الاقليمي والدولي يسعي لتسوية الأزمة – ليس كما يتم تأويله وتفسيره بحسب نظرية المؤامرة والتأمر الخارجي و دعاوى العمالة والإرتزاق والتدخل فى الشأن الداخلى ، فى إطار الخصومة والكيد السياسى – والتى أثرت بشكل مباشر على علاقات السودان الخارجية من حيث شكل ومضمون تلك العلاقات.

فها هو المحيط الاقليمي والدولي يسعي لتسوية الأزمة التى تضرر منها ، فمنذ أن اصبح العالم “غرفة ضيقة” وأصبحت الخرطوم تؤثر في الأمن الداخلى لواشنطن ، وشواطئ بورتسودان أصبحت هدفاً لتأمين مصالح موسكو وبكين وواشنطن…. الخ ، حدث إختلال فى مفهوم ومبدأ ” التدخل فى الشأن الداخلي” وأصبح الخيط رفيع جدا بين ” التدخل في الشأن الداخلى وانتهاك السيادة الوطنية ، وبين الاسهام فى تسوية الأوضاع الداخلية فى اطار العلاقات والمصالح المشتركة “، حتي أصبح إستقرار السودان هدف استراتيجي لكل المتنافسين والفاعلين الًدوليين.، فكلهم مجمعين على “تهئية وتجهيز المضمار حتى يبدأ السباق او يتواصل بلا عقبات ومطبات ”

ولكن عقلية الساسة ادمنت الفشل، وتأبى الإستفادة من تجارب الماضى وتوالى تقديم المصالح السياسية الشخصية الضيقة على المصالح الوطنية ، وتصر على إعادة انتاج البضائع السياسية منتهية الصلاحية مثل فزاعة ” نظرية المؤامرة” الخارجية والإدعاءات الكذوبة ،وبالتالى مزيد من تضييع الفرص والسوانح بسبب ذاك التشاكس والخلاف السياسي مابين “مدنية و عسكرية” “انقلاب وإصلاح” ” وحوار ولا حوار”.

عموما ، وفى ظل تخوف المجتمع الدولى والإقليمي على مصالحه فى السُودان ، وبعد أن نفد صبرهما وضاقا ذرعا، جراء هذه الفوضى وإستمرار الأزمة السياسية الداخلية العبثية ، وبعد أن وصلت لجنته “المُيسرة” ثلاثية الأبعاد – الامم المتحدة ، الاتحاد الافريقي ، الايقاد – الى طريق مسدود وتعليق مبادرتها ، الأمر الذى يفتح الباب على مصرعيه أمام زيادة وتيرة التدخلات الخارجية، والذى قد يصاحبه هذه المرة مساس حقيقي وواقعى “بالسيادة الوطنية” ، والتى لن يصدقها الرأي العام ، ويعتبرها كالعادة ” سواقة خلا”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى