كبير الباحثين فوكس للدراسات السويد
تاريخ طويل للقوات المسلحة السودانية مع الحكم في السودان ورغم النقد الذي ظل يوجه للقوات المسلحة في تدخلها في “وأد” الديمقراطية إلا ان هذا التدخل كانت دائما تقف وراءه جهات سياسية تنادي بالديمقراطية ولكنها تتخذ البندقية وسيلة للوصول للسلطة ثم تدعي ان الحكم تحول لمدني لإكسابة الشرعية كما حدث في العديد من التجارب بالبلاد .
العديد من الاحزاب السياسية تحاول استقطاب وتجنيد عدد من الضباط في القوات المسلحة تستخدمهم متى ما أتيحت الفرصة فإذا عجزت عن الوصول للسلطة اتجهت لمنسوبيها في الجيش للوصول للسلطة .
ولكن رغم ما ذكرنا ظلت القوات المسلحة السودانية تمثل المؤسسة الوطنية التي يلتف حولها السودانيون كل ما ادلهمت الخطوب وازدادت المحن وخير مثال ثورة ديسمبر مؤخراعندما لجأ الثوار للبرلمان باعتباره يمثل الشعب ولكن ما لبث ان تم فض الاعتصام الذي لم يكمل ساعات وكذلك تم فض اعتصام مجلس الوزراء قبل ان يلجأ الثوار للجيش في القيادة العامة فكان لهم ما ارادوا نجحت الثورة الشعبية بفضل تدخل الجيش.السؤال الذي يفرض نفسه هل يمكن إبعاد الجيش من الحياة السياسة تماما والاكتفاء بدورة في حماية الارض فقط؟ هنالك من يرى ذلك مستحيلا ونتذكر جميعا التصريح الشهير في العام 2007 لرئيس اللجنة التنفيذية للتجمع الوطني الديمقراطي، فاروق أبو عيسى، والذي حذر صراحة من إبعاد الجيش عن الحياة السياسية، وقال إن ذلك”عملية تعسفية ومستحيلة” منبها الى أن الجيش يمثل الضلع الثالث في العملية السياسية .
نال السودان استقلاله كما هو معلوم في العام1956 وبعد عامين اي في العام 1958 جاء أول انقلاب على السلطة بواسطة الفريق ابراهيم عبود بإيعاز من حزب الأمة وباركه القادة الدينيون في ذلك الوقت، لأكبر جماعتين دينيتين: السيد عبد الرحمن المهدي زعيم الأنصار، والسيد علي الميرغني، زعيم طائفة الختمية، قاد الانقلاب الفريق إبراهيم عبود، الذي شكّل حكومة عسكرية برئاسته، حكمت السودان لمدة 7 أعوام، أوقف فيها العمل بالدستور، وألغى البرلمان، وقضى على نشاط الأحزاب السياسية، ومنح المجالس المحلية المزيد من السلطة وحرية العمل، وعارضته معظم الأحزاب السودانية، ثم اندلعت ثورة شعبية عارمة، تطالبه بمغادرة الحكم، في تشرين الأول (أكتوبر) 1964، وسلم السلطة لسرّ الختم الخليفة، وتولى البلاد إسماعيل الأزهري، فيما يعرف بأيام الديمقراطيةعاد المدنيون للسلطة بعد انتخابات العام 1965، لكن نتائج الانتخابات غير الحاسمة دفعت الأحزاب إلى اللجوء إلى التحالفات، الأمر الذي أدى إلى قيام حكومات غير مستقرة، وبعد ثلاثة أعوام من الديمقراطية، فشلت الأحزاب في التوافق والانسجام فيما بينها، مما عرّض البلاد لحالة من الفوضى، وعزّز ذلك تنامي مشاكل البلاد الاقتصادية والبطالة ونقص السلع الاستهلاكية والتمرد في جنوب البلاد، وبعد اربع سنوات نجح الانقلاب الذي قاده العميد جعفر محمد نميري، ومجموعة من الضباط المحسوبين على الحزب الشيوعي والقومي العربي استلموا السلطة، لمدة”16″ عاماً .
ولكن بعد عامين جاء انقلاب هاشم العطا احد رفقاء النميري حيث، استولى جزئياً على العاصمة الخرطوم لمدة يومين، لكن استطاع النميري أن يعيد سلطته ويقوم بمحاكمة الانقلابيين فيما عُرف بمحاكمة الشجرة، التي طالت كلاً من زعيم الحزب الشيوعي السوداني آنذاك: عبدالخالق محجوب، ومساعده الأيمن الشفيع أحمد الشيخ، وبابكر النور، وآخرين. وفي العام1975 وقعت محاولة انقلابية أخرى فاشلة، بقيادة الضابط حسن حسين،وتم إعدام قائدها ،بعدها حاولت القوى السياسية المعارضة لنظام النميري التي كانت تنطلق من ليبيا قلب نظام الحكم، وأوكلت المهمة للعميد في الجيش، محمد نور سعد، بمشاركة واسعة من عناصر المعارضة، تسللت إلى الخرطوم عبر الحدود مع ليبيا، وقد تعامل نظام النميري مع المحاولة بعنف غير مسبوق، بعد أربع محاولات انقلابية فاشلة، لم يتعرض نظام النميري بعد ذلك لأية محاولة انقلابية، حتى عصفت به ثورة شعبية عارمة، في 6 (أبريل) 1985،عُرفت بـ”انتفاضة أبريل” كان النميري وقتها في أمريكا، وأعلن الفريق أول سوار الذهب انتهاء حكم دولة مايو، واستلامه الحكم لفترة انتقالية، وبالفعل أجرى انتخابات ديمقراطية، وسلم الحكم لسلطة مدنية منتخبة بقيادة حزب الأمة .
وفي العام1989 وقع انقلاب الإنقاذ بقياد العميد عمر حسن احمد البشير وكانت الأوضاع سيئة لدرجة ان زعيم المعارضة الشريف زين العابدين الهندي قال قولته الشهيرة في البرلمان (ديمقراطيتكم دي كان جاء كلب شالها ما بنقول ليه جر) والجيش في اضعف حالاتة يقاتل تمرد في الجنوب بقيادة جون قرنق فجاء الانقلاب بدعم من الحركة الإسلامية واستمر نظام الانقاذ طوال 30 عاما حيث أطاحت به ثورة ديسمبر.
تعود أسباب الانقلابات العسكرية بحسب المختصين والمهتمين لضعف الأنظمة الديمقراطية ومؤسسات الدولة الحديثة وانتشار ظاهرة النهج الانقلابي لدى بعض القوى السياسية الباحثة عن الشرعية، هو الدافع للانقلابات التي تتكرر بالسودان من حين لآخر ويبلغ مجمل سنوات الحكومات التي جاءت عبر انقلابات عسكرية حوالي70%” مقابل “30% للمدنيين والنسبة ليست معنية بتحول الحكم العسكري نفسه إلى مدني كما فعل النميري والبشير باللبس المدني .
أيضا يرى الكثيرون ان الحروب والاقتتال القبلي الذي تشهده البلاد منذ الاستقلال وحتى الآن رسخ في ذهنية البعض أهمية الحكم العسكري الكثيرون يطالبون بتفويض الجيش كلما تدهورت الأوضاع وتصحيح هذا الوضع لا يتم الا عبر ديمقراطية حقيقية يقف معها الفائز والخاسر في الانتخابات بما يساهم في تجاوز الإخفاقات ويوقف الاستقطاب السياسي ويؤدي لتجربة ديمقراطية ناضجة.
الأحزاب السياسية السودانية لا تمارس الديمقراطية بشكلها الصحيح وظلت قياداتها تمارس الكنكشة السياسية في رئاسة الحزب والغريب ان هذه الأحزاب تنتقد غياب الديمقراطية وتدخل الجيش في السلطة نعم الانقلابات العسكرية غير مرحب بها ولكن على القوى السياسية ان تتقبل الديمقراطية داخل تكويناتها الداخلية ومن ثم تسعى لنشر الفكرة في اوسع نطاق ولا ننسى كان للدور الخارجي نصيب في انقلابات السودان، وساهمت دول الجوار السوداني في الاعتراف بالأنظمة العسكرية وأعطت الشرعية للانقلابات العسكرية .