في حضرة {الجنرال الإنسان ..}
عنوان هذا الإستكتاب ليس وهمياً ، و لا هو لقصةٍ خيالية ، أو لأسطورة مِنّ أضابير التاريخ الفسيح ، لكنّه رُبما يكون لاحقاً تاريخاً يُسجل في موسوعةٍ تعليميةٍ لها روافد جينية و أبعاد تربوية تتعلّق بالإنسانية و بناء الإنسان قبل بناء الأرض و الإعمار ..
دعني أقصُ عليكَ أيها القارئ مختصر لقصةٍ قصيرة حقيقية جاءت على نمط تراجيديا الأطفال الأبرار ، عنها يتعلّم الكِبار مِن الصِغار معاني الوجود ، و يا لها مِن حِكمة الإله في تدابيرهِ الرسالية تجاه المعبود..
(( كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة ، و لكن إبنهُ الصغير لم يكّف عن مضايقته ؛ و حين تعب الأب من إبنه قام بقطع ورقة في الصحيفة كانت تحوي على خريطة العالم مزّقها إلى قطعٍ صغيرة و قدمها لإبنه و طلب منه إعادة تجميع الخريطة ، ثم عاد لقراءة صحيفته ، ظاناً أن الطفل سيبقى مشغولا بقيّة اليوم ، إلاّ أنّه لم تمُّر خمسة عشر دقيقة حتى عاد الإبن إليه و قد أعاد ترتيب الخريطة ! فتساءل الأب مذهولاً : “هل كانت أُمك تعلمك الجغرافيا ؟!!
رد الطفل قائلاً : “لا ، لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة ، و عندما أعدتُ بناء الإنسان ، أعدتُ بناء العالم” ..))
هنا العِبّرة لِمّن يعتبِر ، فإنّ قيمة الإنسان و الإستثمار فيه هي السبيل إلى بناء المجتمعات و التقدم الفكري الحضاري ، لأنّ حضارات الدول لا تقاس بِبنائها و ثرواتها ، بل بإهتمامها بِبناء الإنسان أولاً ، لأنّ بناء إنسان مُتعلم بثقافة بيئية متحضرة و معرفة مستدامة ، يفتح الأبواب على مصراعيها لتوطين الإبداع ، مثل ثقافة التفكير و الجهر بالرأي و النقد البّناء و الإبتكار و غيرها مِن البناءات المعنوية الإيجابية ، و بهذا نستشعر بأنّ تلقيّ التعليم و جاهزية التكليف هما نقطة الإنطلاق نحو الثُريا و الثراء ..
كانت عبارة الطفل في القصة تلقائية عفوية ؛ لكنها جميلة المحتوى ، ذات معنى عميق جاذب و مؤثر {عندما أعدتُ بناء الإنسان، أعدتُ بناء العالم} ، فالأهم بناء الإنسان ، لأنّ بناء الإنسان يبني الجنرالات ، الحُكام و السلاطين ، و يبني الرؤساء ، القيادات و القوات ، و يبني الملوك ، العُمدة ، الشراتي ، المكوك ، النُظار ، القضاة ، المُعلمون ، المديرون ، الآباء ، الأمهات ، و يبني الرجال و النساء ثم الأسرة و المجتمع ككل ..
هُنا تستحضرني إحدىٰ الشخصيات المناضلة و الوطنية حدّ النخاع ، لنأخذه كأنموذج محلي للجوهر النقي و الإنسانية الذكية التي كشفت عنها السِتار إتفاقية جوبا لسلام السودان ، هذه الشخصية يُطلق عليه شعب شمال دارفور و رُبما أغلبية السودانيون (جنرال الجنرالات) و أحياناً (الجنرال الإنسان) فإتضح جليّاً أنّ شعب شمال دارفور يُدلل الوالي الآني لمدينة الفاشر و ضواحيها ، بهذا الإسم الموسيقي (الجنرال الإنسان النمر عبد الرحمن) ، إنّه عِشق الشعوب لِحُكامها يا سادة !! فهنيئاً له بِشعبهِ و هنيئاً لهم بِالحاكِم الإنسان..
فقد كان (إبن عبد الرحمن) أسيراً مِن أسرىٰ الحرب اللعين ، حرب لا ناقة له فيها و لا جمل ، كفيلة بأنّ يكون برئي مِن عواقِبها (براءة الذئب مِن دم إبن يعقوب) فهي براءة تبحث عن وطن العدالة و المساواة في الحقوق و الواجبات ، فلله درُكَ يا بطل ! فقد لعِقتَ مِن النضال الأمريّن مرارة الحرب و مرارة سجون جنرالات الإبادة و الجور ، بذلك أعطيت درساً مجانياً للبشرية { أنّ الحياة بلا عدالة ليست حياة ، و الموت بكرامة أعظم شأنأً مِن العيش بمهانة ، و أنّ عدالة السماء آتية و لو بعد حين } ، إذ لا تقاس النجاحات بالإرتفاع الذي يصل إليه الإنسان عند صعوده في الأوقات العادية ؛ بل تقاس بمدىٰ الإرتداد الذي يرتفع إليه بعد الوقوع و الانزلاق إلى القاع ، لذلك كان نضال (الجنرال الإنسان النمر عبد الرحمن) كفيل بأنّ يصبح قدوةً يُحتذىٰ بحذوهِ الجنرالات و مثالاً يُحتفىٰ به في أروقة المؤسسات العسكرية و المدنية كحدّ سواء ، لتسير مسيرة الجنرالات بِسُمعةً طيبة وفق خُطىٰ الإنسانية و التواضع و التطوير و التحديث و الإنجاز ..
فجميل أنّ يظن الناس بِالجنرالات خيراً و الأجمل أنّ يگونوا أگثر خيراٌ مما يظنون ، بالرغم مِن التوجُه العسكري الحاد الذي إرتبط بالحروب و سفگ الدماء و السلوگ الغاشم و الإعتداء السافر على البشرية ، إلاّ أنّ (الجنرال الإنسان) إحتفظ بإنسانيتهِ فعشقها و عشقتهُ ، لأنّ صفة الأخلاق المقرونة بالإنسانية لا تُشترى و لا تُباع ، فهي صفات رتع و رضع مِن جذورهِا الأصيلة المرتبطة بِبيئة التواضع ، الكرم ، الشجاعة ، الفراسة ، الرِفعة ، الأخلاق و الإنسانية ، و كما يُقال لا تبحث عن بلدة أو جهة الصِنعة ما دامت الديباجة ظاهرة على المُنتج ، بمعنى آخر : أحسِن إختيار المصنع لضمان جودة الإنتاج ..
إنّها دارفور مصنع الرجال و الأبطال و منبع الإنسانية و مقصد الأخيار ، أرض الميارم و السلاطين ، أنجبت دارفور (الجنرال الإنسان) و أصبح (مدرسة) يرتادها القادة لأخذ الحِكمة و الإفادة ، فأضحىٰ عنوان للجُندية التي يبتغيها الجنرالات عقيدة لا مهنة ، و مرجع للإنسانية حقيقةً لا مجازاً ، فهو بذلك يترُك رسالة عظيمة في بريد (العسكري و السياسي) أنّ الشعب يُحكم و يُصان بالإنسانية و لا يقتاد بالبندقية العسكرية و لا ينقاد بالدكتاتورية السياسية ..
فليكُنّ فخوراً بنفسهِ لأنّ شعبهُ حقاً فخوراً بِه ، فهو كبيرٌ دون تكبُرٍ و عظيمٌ دون تعاظم ،ٍ فإحتفاظهُ ببناء الإنسان الذي بداخلهِ جعل منهُ حاكماً لِيناً مرناً في قراراته و معافراً جاداً في تنفيذها ، لم تؤثر عليه أصوات البنادق و لا قساوة الخنادق ..
فما مُدح إلاّ الصليح الذي يليق به المديح لغِدٍ مُربح و مريح ، فلنّ تنكسر أقلام ناضجة نُصحاً و ناضحة حقيقةّ ، بيد أنّها لنّ تتوقف و لنّ تنضب ما دام جرح الوطن الغائر ينزف ، فالأوطان تُبنى بالإنسانية أولاً ثم بِسواعد أبناءها الساعية للرِفعة لا الهدم ، هؤلاء و آخرون هم أبناء الوطن بكل إتجاهاته و إنتماءاته القبلية ، فالإنسانية لا تتجزأ ، قد تختلف السحنات و أوجه النضال و لكن يظل الهدف واحد هو حُب السودان الكبير ..
للحديث بقيّة