اعجبتني رصانة الاستاذ علي كرتي الامين العام للحركة الاسلامية في ظهوره الاول منذ سقوط الانقاذ ب(قناة طيبة).. وسرني بالطبع حضور الاخ الطاهر حسن التوم كمحاور متمكن يمتلك ناصية المعلومة ويعلم متي ولمن وكيف توجه الاسئلة..
ومع تقديري الكامل لكل ما ادلي به كرتي من افادات اتسمت بالعقلانية والهدوء وتعمدت تفادي الغام الراهن السياسي واختارت السير عليها بنسق لايجعل من الحوار عرضة للتفجيرات والفرقعات الحارقة الا اننى مازلت متعجبا من انبهار الاسلاميين بالحوار لحد الافتتان واعتباره نهاية (حقبة قحت) ودنو اجل (العسكر ) في ان واحد.
لا اعتقد ان كرتي جاء بما لم تستطعه الاوائل.. اللهم الا من قبيل الاعجاب ب(فكرة الظهور بعد الاختفاء) وطريقة الزعيم ( رقم صفر).. هنالك كثير من الاسئلة عبر فوقها كرتي دون الخوض في التفاصيل المهمة لفائدة المشاهد وبعيدا عن مايدخله في حرج الكشف عن معلومات تفيد حراك التنظيم مستقبلا..
تعتيم كرتي علي بعض الجوانب التي كانت تحتاج المزيد من الاضاءات منح المشاهد حرية تامل حال الاسلاميين ومالات مستقبلهم السياسي في ظل تباين معلوم وتشظ بائن وغياب مشهود عن منصات توجبه مسارات الاحداث اليومية والتوقيع عليها كفاعلين وليس متابعين …
الحقيقة التي ينبغي ان يعلمهما الجميع ان ظهور كرتي اثبت ما ظللنا نكرره دائما بوجود فارق بين الاسلاميين والقوى والاحزاب والتيارات الاخري في التنظيم والترتيب والاداء السياسي يقدر بسنوات ضوئية، هذه حقيقة ولكن هذا لن يمنعنا من القول ان وجود الاسلاميين في الساحة بعد هزيمة مشروعهم وسقوطه بالقاضية يستلزم جهدا اكبر من ظهور كرتي وتلويحه بانتهاء الفترة الاستثنائية وخروجه من مرحلة الحراك السري الي العلن..
سقوط مشروع الاسلاميين في ستة ايام كان مفاجئا حتي لقواعدهم الواثقة في انتمائها لدولة عميقة ومؤسسة مكثت في الارض تلاثين عاما دون ان تتدبر تامين نفسها من عاديات الخيانة وتقلبات الايام ومكر المعارضين..
لم يات كرتي باستثناء ظهوره بعد اختفاء بما لم تستطعه الاوائل من قيادات الاسلاميين في صفهم الاول واعني الدكتور ابراهيم غندور والدكتور امين حسن عمر و الكادر الشرس انس عمر، جميع هؤلاء وقعوا علي دفتر الاحداث بافادات ساخنة وقوية تعاملت مع اسباب سقوط الانقاذ والمراجعات ومستقبل الاسلاميين ولم يتركوا شاردة او واردة .. كان ذلك علي ايام الثورة في اوجها وكاس الانتقام دائر والتسفي علي اشده في رموز الانقاذ، واعتقد جازما ان الظهور القوى لهؤلاء هو الذي مهد الطريق لوجود علي كرتي في طيبة وعودة الطاهر حسن التوم بل وحتي ذهاب قوى الحربة والتغيير في ما بعد الخامس والعشرين من اكتوبر..
يظل السؤال المهم في هذه المرحلة ما هو دور على كرتي وتنظيمه في انهاء حقبة قحت، لو كان الاسلاميون يملكون من امرهم بالقدر الذي يسقطون به القحاتة لما انتهت دولتهم في ستة ايام وهم الذين حكموا البلاد ثلاثين عاما ( سنة تنطح سنة) …
علي الاسلاميين ان يعوا كذلك ان دولة القحاتة سقطت من الداخل بفعل سوء النوايا وصعف التقديرات والخلافات والتشفي ونزعات الحقد والانتقام وان الاسلاميين لم يكن لهم دور كبير في ما حدث وان معركتهم في سبيل العودة الي صدارة المشهد السياسي تقتضي مراجعات عميقة واعترافات كبيرة بالاخطاء قبل تكوين تنظيم قوى يستلهم من عبر الماضي التخطيط لمستقبل خال من الانقسامات والخلافات ومحاولات الكيد والحفر المتبادل.
عليهم الانكفاء لتقييم تجربتهم قبل الخروج للناس بما يمكنهم من تفادي السقوط في براثن الفساد وعدم الانغلاق علي الذات والانفتاح بوعي ومسؤولية علي المجتمع الذي ظل يختزل السرقة وكل الصفات الذميمة في مفردة كوز قبل ان يبدأ اعادة النظر في مثل هذه المفاهيم والقناعات بعد ذلك..
الامر اكبر من اطلالة الزعيم (رقم صفر).. وانتقاله من الحالة الاستثنائية للظهور العلني الطريق مازال طويلا.. برايي ان سر انبهار الاسلاميين بحوار كرتي يعود الي فقدانهم ( للحنان السياسي) وتوقهم لظهور قيادة توحد احلامهم بالعودة الي المشهد السياسي، فالحوار في عظمه لم يحمل جديدا يذكر باستثناء ظهور ( الشيخ كرتي) ورصانته في الرد علي اسئلة يمكن ان يجيب عليها اي ناشط اسلامي بل ويضيف فوق ما قاله الزعيم المقيد بدبلوماسية الاطلالة الاولي، كما ان احتفاء الساحة بالحوار مرده حالة البؤس التي ظل يعانيها الخطاب السياسي فقد ظلت البلاد ولمدة ثلابة سنوات تعاني من ( خارم بارم) القحاتة وفقر وجفاف خطابهم وضعف لغتهم وبرامجهم التي اورثت البلاد الوباء والغلاء والشقاء وانحطت بمنابر العمل السياسي..