دكتور عبد الناصر سلم يكتب : الصراع في دارفور من يؤجج نيرانه؟؟!

مدير برنامج شرق افريقيا والسودان وكبير الباحثين في فوكس السويد

ربما بدأت وتيرة الصراع القبلي في دارفور تآخذ في الاتساع شيئا فشيئا ، حتي دخلت الفتنة الي دارفور بتقسيم سكانها الذين عاشوا سنوات ليست بالقصيرة في ظل تعايش مجتمعي كبير ، لم نسمع تصنيفات أو تقسيمات بين كتلة مجتمعاتها علي مستوي المدن والارياف ،ولكن مالذى حدث .
الراصد والمتابع لحركة الصراع القبلي في دارفور يخرج بنتائج كارثية من واقع الاراقام المفزعة من الموت رجالا ونساءا واطفالاً ، وربما توجهات البعض موضوعية الي حد كبير حينما يتحدث الناس عن وجود طرف ثالث يعمل علي اشتعال النيران في دارفور ، وتعزيز ودعم طرف علي طرف ، ولعل السؤال المطروح في هذا السياق من المستفيد من تأجيج الصراع في دارفور ،خصوصاً وان هذا الصراع الخاسر فيه دارفور باسرها .
أسباب عديدة أسهمت في تجدد الصراع ، في مقدمتها التقسيم الاثني الذى مارسته الانقاذ علي مدي سنوات طويلة بين مكونات المجتمع الدارفوري وقد عزز ذلك اندلاع التمرد الاول الذى بدأ في دارفور في العام 2003م مما خلق حالة من الاحتقان جراء الاستقطاب الحاد من هناك وهناك .
علي كافة أقاليم السودان أن تعي جيداً ان ماحدث في دارفور ربما يكون في أي ولاية أخرى وبالتالي نقول هنا ان الخاسر الأكبر هو السودان بكل جغرافيته .
ولعل من الأسباب التي جعلت الدماء بلا ثمن في دارفور هو المسار الذى سلكته الحكومة نفسها عبر مختلف الحقب عبر مؤتمرات للصلح عادة ماظلت الحكومة تقوم بدفع الديات ، ولعل في ذلك سلبية كبيرة فالقتال يعرف انه سيعفوا عنه بمرجد انقعاد مؤتمر صلح تحمل فيها الحكومة أموال الديات بالطائرات وبالتالي غاب ردع القانون ، وأصبح بلا قيمة !!!.
هذا فضلا عن المناخ السائد من الكراهية في مواقع التواصل الاجتماعي الذى ايضا لا احس ان فيه براءة عفوية وذلك من واقع الحملات الاعلامية الممنهجة التي نلحظها من وقت الي اخر في مواقع التواصل الاجتماعي .
أحداث الأخيرة المؤسفة في الجنينة أعطت مؤشرات واضحة لهوية الصراع فقدت احدث هذه الحادثة شرخاً كبيراً في وضعية النسيج الاجتماعي ،كنت اتوقع ان تندد التظاهرات التي خرجت في الخرطوم بوضعية هذا الصراع ومن يقف خلفه فكل الاقاليم كانت لوقت قريب بمثابة الجسد الواحد اذا اشتكي منه عضو تداعي سائر الجسد بالسهر والحمى ولكن هذا لم يحدث !.
كما أسلفت الذكر أن ماحدث في دارفور ربما ينتقل الي ولايات أخري ومن واقع الحال ليست هناك ضمانات بتنفيذ ذات السناريو في ولايات اخري شرقية او شمالية او وسطه .
ان الاتحاد السوفتي حينما بدأت لحظات سقوطه الأولى بدأ الشد من الاطراف علي موسكو حتى ضعفت العلاقة بين الاقاليم والمركز وبالتالي إنهار الاتحاد السوفيتي ،ومن واقع ذلك مانخشاه أن يتحول السودان الى ذات السناريو ان لم يتم التدخل بمعالجات جذرية للأزمة .
ان الوضع السياسي الراهن في السودان علي خلفية الصراع القبلي الآخذ في الاتساع والتعقيد سيدخل البلاد في دائرة التدخل الدولي ،عليه فإن الحكومة مطالبة كذلك بوضع حد لهذا الاقتتال .
إن اقليم دارفور معروف برصيده الضخم من الثروة الحيوانية؛ إذ يعدّ أكثر ولايات السودان امتلاكًا للثروة الحيوانية التي تعادل %26 من مجموع ماشية السودان؛ وذلك بسبب تنوع المناخ ووفرة المراعي فيه، فقد تُقدّر صادرات الإقليم من الإبل والضأن لمصر وليبيا حوالي %60 من إجمالي صادرات السودان، بالإضافة للثروة النباتية والزراعية الهائلة بسبب تنوع المناخ في أكثر من منطقة في الفصل الواحد، فتبعًا لذلك يتنوع إنتاج إقليم دارفور من الحبوب الزيتية مثل الفول السوداني والذرة إلى المانجو والبرتقال .

يتنوع المناخ بدارفور من مناخ البحر الأبيض المتوسط بأعالي جبل مرة حتى شبه الصـحراء والسافانا الفقيرة شمالًا، وتحوي تربة دارفور الكثير من المعادن كـاليورانيوم، والبتـرول والغـاز الطبيعيّ إضافةً لما تتمتّع به من خصوبة عالية جعلتها تعود بمختلف أنـواع المـوالح والحبـوب الغذائية كالذرة والقطن… ولعلّ إقليم الهشاب الممتدّ عبر دارفور يقف شاهدًا على ثـراء الإقليم .
علي الصعيد الدولي احتل إقليم دارفور مرتبة متقدمة في الأجندة الدولية منذ عام 2003؛ لما يحمله الصراع الذي جرى فيه من مآسٍ إنسانية وتعقيدات إثنية وعرقية، وقد أدى ذلك إلى تصعيد الأزمة وانتقالها من مسألة سودانية داخلية إلى أزمة تحظى بالاهتمام الدولي، كلّ حسب مصالحه وقراءاته الخاصة .
إنّ أزمـة دارفـور تعـدّ مـن الأزمـات ذات الأهمية التـي تواجـهها الحكومـة السودانية؛ إذ يتمثـل تأثيرها فـي إحـداث حالـة مـن عـدم الاستقرار الـداخلي، ممـا یخـرج بالأزمـة مـن محیطهـا الـداخلي إلـى أزمـة ذات أبعـاد ومضـامین متنوعـة ومتعـددة .ط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى