لا أعرف شيئآ من تفاصيل وحدة الحركة الإتحادية التي تم توقيع ميثاقها مؤخرا في العاصمة المصرية برعاية مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، إلا بالقدر الذي تم تشره في وسائل ووسائط النشر المختلفة، وبما حدثني به أخي وابن أخي الزعيم ابن الزعيم الوجيه الزاكي التجاني محمد إبراهيم، وهي خطوة يجب أن يرحب بها كل وطني غيور علي بلده، وقلق علي مستقبل شعبه، ولو لم يكن من غير منسوبي ولا محسوبي الحركة الإتحادية بكل مكوناتها واحزابها وفصائلها، ذلك أن الحزب الإتحادي هو حزب الوسط، وفي تعافيه عافية للوطن، وهذا لا يعني أن المبادرة أتت مبرأة من كل عيب، ولكنها خطوة في الطريق الصحيح، وكنت قد دونت بعض ملاحظاتي وتحفظاتي، ولقد فعلت ذلك دعما ودفعا للخطوة، وليس انتقاصا من قدرها..
استوقفتني بعض الإنتقادات وبعض السهام التي صوبت نحو المبادرة، ونحو بعض أطرافها، لا سيما الأستاذة إشراقة سيد محمود، ولا أكتب هذا المقال دفاعا عن السيدة إشراقة، فهناك من هم أقدر مني علي ذلك، ولكنها شهادة حق لا بد أن تقال في مثل هذا المقام، فرغم تقديري واحترامي لكل أطراف مبادرة الوحدة الإتحادية، لكنني أجد السيدة إشراقة الأكثر انسجاما مع الخطوة، وهي تتسق مع مواقفها ومبادئها منذ أن عرفتها أول مرة في منتصف تسعينيات القرن الماضي في منزل المرحوم الحاج التجاني محمد إبراهيم راعي مبادرة الشريف زين العابدين الهندي للحوار الشعبي الشامل، الذي غدر به بعض الذين رعاهم وقدمهم، وكانت قد أتت مع بعض الذين يقودون عمل الحزب في الداخل مع زعيم الحزب العائد، وكانت وقتها خريجة حديثة في الجامعة، ولعلها كانت تعد لنيل درجة الماجستير، كانت تجلس في الناحية الشمالية الشرقية من غرفة العمليات المشهورة في بيت الحاج التجاني في حي المظلات ببحري، وكنت أجلس بجوار الشريف في وسط الغرفة، فلما تحدث إشراقة أعجب الشريف إعجابا شديدا بطريقة تفكيرها، وعرضها للافكار، وقال لي “البنت دي أكتر واحدة فاهمة المبادرة ومستوعباها” وكان الشريف قد بدأ اليأس يدب في نفسه، جراء مساعي بعض مساعديه، مع بعض منسوبي الحكومة والمؤتمر الوطني، والأجهزة الأمنية إخراج المبادرة عن مسارها الطبيعي الذي رسمه لها الشريف زين العابدين، وكنت قد ذكرت كثيرا من تفاصيل ذلك في كتابي الذي نشرته علي حلقات في صحيفتي ” أخبار اليوم” و”الازمنة” السودانيتين في حياة الشريف زين العابدين له الرحمة والمغفرة، وذكرت المجموعة الخاصة التي انتقاها لي السيد الشريف من الذين كان يثق فيهم، وكونا غرفة خاصة للعمليات في المكتب الذي خصصه لي أخي عثمان مجذوب بابكر “أبا شيخ سعد” في عمارة رزاز ببحري، جوار عمارة إبراهيم طلب، وكانوا بقيادة الدكتور أمين البيلي، الذي صار أقرب المقربين للشريف زين العابدين، رغم أنه كان احدثهم معرفة للشريف، واخرهم انضماما للحزب، واصدقهم واوفاهم، ومكانه الطبيعي اليوم بين مجموعة الوحدة، بل في مقدمة ركبها، وكان معه الأخ حسن فضل الله، والشريف حسين الشريف إبراهيم الهندي، وأبناء اخت الشريف أولاد عبد الله عبد الرحيم، وطارق بريقع.
بينما كان كثيرون ممن قدمهم الشريف زين العابدين بعد عودته إلى أرض الوطن بالمبادرة، كانوا يحرصون علي علاقتهم بالحكومة والمؤتمر الوطني، والأجهزة الأمنية، كانت إشراقة أحرص علي علاقتها بالاتحاديين رغم أنها كانت قد مدت جسور تواصل متينة مع قيادات الحكومة، وكان المحترمون من الحاكمين أكثر احتراما للسيدة إشراقة، وأذكر عندما حدثت خلافات حادة بين الإتحاديين الذين كانوا يشاركون في الحكومة، وكنت من الذين يسعون للتقريب بينهم، فاذكر عندما طلب مني بعضهم ترتيب لقاء لهم مع الرئيس السابق المشير عمر البشير، وفعلت ذلك مع أخي الدكتور فضل عبد الله فضل وزير رئاسة الجمهورية في ذاك الزمان، اشترط البشير حضور إشراقة وأمين البيلي، حتى أنه كان قد نسي اسم أمين، فقال “الدكتور الكان وزير صحة في كوستي” وكان الشريف عندما سأله البشير عن شخص يمكن التواصل معه في القضايا المهمة والساخنة، قال لهم “أمين البيلي” اما إشراقة فظل الشريف يوصي عليها حتى مماته، لا لشئ إلا لأنها كانت مثله مؤمنة بمشروع الوحدة الوطنية السودانية، ووحدة الحركة الإتحادية مدخلا لذلك، وسوف أكتب قريبا بإذن الله تعالي عن مشروع الوحدة الوطنية، حلم الشريف زين العابدين الذي عاش به، ومن أجله، ومات في سبيله،لم يبدل ولم يحول.
وأذكر عندما سعيت قبل فترة للتقريب بين أنصار الشريف زين العابدين الهندي، كانت إشراقة الأكثر استجابة فيهم، وكانت الأقوي والاشرس في تصديها للإنحراف عن مسار ومبادئ الشريف زين العابدين، وهي أول من قادت ثورة داخل الحزب من أجل المبادئ الإتحادية، والقيم الوطنية، ودفعت ثمن ذلك غاليا، لكنها صبرت واحتسبت، وكنت شاهدا علي كثير من ذلك، لكنني لن أذكر تفاصيل ولا أسماء حفظا لاسرار المجالس، ولكن لا بد في هذا المقال من ذكر مبادرة سابقة في جمع رفقاء الشريف زين العابدين الهندي، قادها الراحل المقيم أبو العباس، الأستاذ السر أحمد قدور، له الرحمة والمغفرة، وكثيرون يعلمون الصلة الخاصة التي كانت تجمعني بالشريف وأبي العباس يرحمهما الله تعالي، وكان أبو العباس هو أول من قدمني للشريف زين العابدين قبل أكثر من أربعين عاما، فاقترح علي أبو العباس مرة بعد وفاة الشريف أن نسعي إلى لم شمل أصحاب الشريف من الذين جمعهم معه الحزب، فقام دعوة عشاء في الشقة التي كانت تستأجرها لها قناة النيل الأزرق في عمارة التنمية بالعمارت، ودعونا إلى هذا العشاء الأخوة الشريف صديق الهندي، والدكتور أحمد بلال عثمان، والأخ السماني الوسيلة، والدكتور أمين البيلي، وتعاهدوا أن يكونوا يدا واحدة وفاء للراحل المقيم الشريف زين العابدين الهندي الذي جمعهم علي الحق، وعلي حب الوطن، ومن أجل وطن تتجاذبه الأهواء والانواء، ووعدناهم مع أبي العباس أن نكونا لهم سندا وعونا، ولكن الشيطان كان اشطر منا جميعا، ونعوذ بالله من همزات الشياطين، ونعوذ به أن يحضرون.
واجدد القول مرة أخري، واؤكده، وأثبت الشهادة لله والتاريخ والوطن، وأقول أني لم أجد بين كثيرين من الإتحاديين الذين أعرف أكثرهم، سواء كانوا مع الوحدة الإتحادية، أو ضدها، أو من المتحفظين عليها، لم أجد من هو أثبت علي مبدأ وحدة الحركة الإتحادية، ولم الشمل الوطني، من السيدة إشراقة سيد محمود، وصية الشريف زين العابدين الهندي، واراها الأكثر حفظا وحفاظا علي مبادئه، وقيمه، نسأل الله له الرحمة والمغفرة، ونسأله لها الثبات على المبدأ.