محمدين محمد اسحق يكتب : بين (حنين) و( قارفي) والطريق الطويل نحو الحرية والتحرر

*قيادي بحركة العدل والمساواة

(الحلقة الثانية)

They don’t want to see us unite!
All they want us to do is keep on fussing and fighting!
They don’t want to see us live together!
All they want us to do is keep on killing one another!
– Bob Marley-

عند الحديث عن البان افريكانيزم- لا يختلف ايا كان علي التأثير الكبير الذي أحدثه ماركوس قارفي في واقع التاريخ الافريقي الحديث ولا ينازعه في هذا إلا الدكتور العالم والفيلسوف دبليو إي بي دوبواس أول شخص أمريكي من أصول أفريقية يتحصل علي الدكتوراة من جامعة هارفارد.
وقد ساهم دو بواس مع آخرين من خلال مؤتمرات (عموم افريقيا) علي التمهيد لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية. كما ساهم من خلال كتابته علي نشر الوعي حول القضية العنصرية في امريكا والعالم وتحليل الصراع بين الاعراق. وهو صاحب المقولة المشهورة (ان القرن العشرين هو قرن الصراع بين الأجناس).

وقد عمل دوبواس علي الدفاع عن قضايا السود من خلال المنظمة الوطنية لتطوير الملونين. وقد عاش قارفي ودوبواس في نفس الفترة، لكن علي عكس المتوقع من كلاهما في العمل الموحد من خلال الهدف والقضية التي تجمعهما، فقد خاض الاثنان معارك استنزافية عنيفة ضد بعضهما البعض. وقد ساهمت الخلفيات التي اتيا منها علي زيادة حدة الصراع والتباعد بينهما رغم القضية الواحدة.

دوبواس الاستاذ الجامعي الذي اتخذ من الجامعات ومعاهد البحوث مقرأ وسكنأ له، كان يتميز بأنه المفضل لدي النخبة المثقفة السوداء في امريكا فوقفت داعمة له. فيما كان قارفي خريج القانون والعصامي الذي اتخذ من هارلم سكنأ ومقرأ لحركته، هو المفضل لدي الطبقات السوداء العمالية المهمشة، فكانت هي السند والداعم له.

دو بواس كان يصف قارفي بأنه العدو الأول لقضية السود في أمريكا والعالم ككل. فيما كان قارفي يصفه بأنه كاره للجنس الأسود. والجدير بالذكر أن دوبواس يعتبر من أصول مختلطة من بينها اصول بيضاء.

احدي الاختلافات الجوهرية بين الرجلين كانت تتمثل في ان دوبواس كان يري أن الحل لقضايا السود تتمثل في الاندماج في المجتمع الابيض، يقوده في هذا إيمانه العميق بالليبراليين البيض وبالايدولوجية الاشتراكية والتي قادته لزيارة العديد من الدول الاشتراكية حول العالم، وانتهت به في خاتمة المطاف عضوا في الحزب الشيوعي الأمريكي. علي النقيض منه كان يقف قارفي الذي كان يؤمن ان الحل يتمثل في اعتماد السود علي انفسهم وانشاء المؤسسات والمنظومات السياسية والاقتصادية والفكرية والعقائدية الخاصة بهم، بعيدا عن سطوة الإنسان الابيض، وكان يري الحل في افريقيا وليس في امريكا.

وقد عمد دوبواس من خلال محاولته علي تدمير طموح وجوهر ايمان قارفي في مشروع العودة الي افريقيا الي استخدام موهبته الالمعية في الإحصاء والتحليل علي نشر بحوث وكتابات تبين خطل فكرة شركة النجم الأسود البحرية عصب مشروع العودة الي افريقيا، وقد اتهم قارفي في تلك البحوث بالاحتيال والكذب. وقد ساهم بهذا في خلق جو من التخذيل والتشكيك في جدوي طموحات قارفي، والتي قادت في نهاية المطاف إلي سوق الأخير الي المحاكم وادانته بالسجن بتهمة الاحتيال. وتحطم بذلك حلم العودة الي افريقيا عبر الاطلنطي بواسطة شركة النجم الأسود.

ومن المفارقات وسخرية الأقدار أن قارفي توفي في لندن في العام ١٩٤٠ ولم تطأ اقدامه ارض افريقيا التي دعا للعودة اليها. فيما توفي دوبواس في أكرا بغانا في العام ١٩٦٣ بعد أن تخلي عن جنسيته الامريكية، وعاش لسنوات في ضيافة الافريكاني العظيم رئيس غانا كوامي نكروما.

بالتأكيد أن وجهة التاريخ الافريقي كانت ستكون مختلفة تماما لو توحد الرجلان في العمل من أجل القضية المشتركة التي آمنا بها وعملا من اجلها، في النهاية لم ينجح قارفي في تحقيق مشروع العودة الي افريقيا الذي بشر به ودعا له، رغم الثمن الباهظ الذي دفعه من سنوات عمره في السجون والمنفي وبؤس العيش. فشل قارفي لم يكن بسبب قوة الدولة العميقة في امريكا فحسب بل بسبب الصراعات الداخلية التي خاضها خاصة تلك التي كانت بينه وبين دوبواس والنخبة الأفريقية الأمريكية من خلفه. وحين وقف قارفي أمام القضاء كان الكل قد انقلب عليه بما فيهم الحلقة الضيقة التي كانت تحيط به.
ربما في تلك اللحظات كان دو بواس يضحك ملء شدقيه علي نجاح ما سعي له وما دري انه بفشل مشروع العودة الي افريقيا، يكون قد دق اسفين الفشل لمشروعه كذلك في الاندماج الأسود داخل المجتمع الامريكي الابيض.
مشروع دو بواس كان مشروعأ نخبويأ بامتياز يسعي الي خلق نخبة واعية من السود تؤمن بالعيش والاندماج في المجتمع الأمريكي مع الإيمان بالدعم والتضامن من الليبراليين البيض، تلك النخبة السوداء الواعية وفق قناعات دو بواس تقع علي عاتقها قيادة الجماهير السوداء الي مشروع الاندماج والتقدم في المجتمع الأمريكي.

في الكفة الاخري كان قارفي يحمل مشروعا جماهيريا طموحأ مفروش بالورود وبالنوايا الحسنة ومشحون بالعواطف النبيلة.
مكامن قوة الرجلين هي نفس مواضع ضعفهما، فقارفي نجح في تعبئة الجماهير بخطابه المفوه لكنه فشل في مشروعه لأنه اعتمد علي النوايا والعواطف ولم يضع للدراسات الواقعية بالأ.
فيما فشل دو بواس لأنه اعتمد علي دراساته ونخبته الخاصة ففي النهاية اي مشروع نخبوي يكون فاشلأ ومحدود الفاعلية في أفضل الأحوال ان لم يتحول ليكون مشروعأ جماهيريا.

ما تحتاجه قضية السود ونضالاتهم ضد العنصرية وارث الاسترقاق كان يتمثل وقتها في وحدة وتناغم وتمازج ألمعية وعبقرية دو بواس مع ديناميكية وحركية قارفي، لو حدث ذلك -وهذا ما لم تكن لتسمح به الدولة العميقة في امريكا- لتغير وجه التاريخ الإنساني كله.

Exit mobile version