محمدين محمد اسحق يكتب : بين (حنين) و(قارفي) والطريق الطويل نحو الحرية والتحرر

الكاتب قيادي بحركة العدل والمساواة السودانية

(الحلقة الاولي)

نحن من سنحرر انفسنا من العبودية الفكرية
لانه في الوقت الذي يسعي فيه البعض
لتحرير الأجساد..
نحن فقط من نحرر عقولنا..
(ماركوس قارفي)

ليست هناك شخصية في التاريخ الحديث تركت اثرأ عميقأ في نضالات الأفارقة في الدياسبورا أو في القارة الام مثلما فعل ماركوس قارفي احد آباء الافريكانية المفوهين. تأثيره يمتد في عمق جذور نضالات السود في أمريكا في القرن الماضي ويتمثل في تنظيمات مثل امة الإسلام وحركة الحقوق المدنية وفي شخصيات مثل مالكوم اكس ولويس فاراكان ومارتن لوثر كينج وغيرهم. كذلك امتد تأثير قارفي الي داخل القارة الأفريقية وترك اثره في شخصيات مثل نامدي ازيكيوي رئيس وزراء نيجيريا الأسبق وباتريس لوممبا رئيس وزراء الكنغو وكوامي نكروما رئيس غانا وقد حاول الأخير النأي بنفسه من أفكاره لاحقأ، بسبب الهجوم الاعلامي وحملات الاغتيال الشخصي الهائلة التي وجهت الي قارفي رئيس حركة تطوير الزنوج (يونيا). ولعله لا يوجد شخص او تنظيم تعرض لما تعرضت له الحركة القارفية من استهداف منظم من الدولة الامريكية العميقة ووكالتها الامنية، ذلك الاستهداف المنظم تركز علي شخص المؤسس قارفي، الذي سجن ونفي الي موطنه جامايكا. لكن الإرث الذي تركه سيظل خالدأ في سفر التأريخ والنضال الافريقي للتحرر من الاستعمار الاجنبي.

ماركوس قارفي أو موسي الأسود الذي كان يناضل من أجل تحرير السود من امريكا أرض العبودية واعادتهم الي افريقيا، كان يؤمن ان التحرير الجسدي لابد أن يبدأ بالتحرر الفكري والاقتصادي والاعتزاز والفخر بالذات الأفريقية، ولذا عمل في بدايات القرن الماضي في صحيفة (الافريكان تايمز) التي كان يرأسها ويصدرها من لندن احد آباء الافريكانية السوداني الأصل الذي تجاهله واسقطه التاريخ السوداني والأفريقي جهلا أو عمدأ (محمد علي دوسة). لاحقا أصدر قارفي صحيفة (عالم الزنوج) التي كانت تصدر في امريكا وتوزع في أنحاء العالم، بتوزيع يبلغ ٢٠٠ الف نسخة اسبوعيأ، وكانت مهتمة بنشر أفكار القومية الأفريقية وقضاياها، مثل النضال ضد الاستعمار الغربي وتحرير الافارقة من الاستعمار العقلي، والفخر بالذات والتاريخ الافريقي المجيد، ووحدة القارة الأفريقية وعودة افارقة الشتات الي القارة والنهضة الاقتصادية والسياسية للأفارقة. وقد لجأت السلطات الاستعمارية في عدة دول الي حظرها من الدخول في مستعمراتها مثلما فعلت السلطات البريطانية في كينيا، وحذت بلجيكا حذوها بل جعلت عقوبة الإعدام لمن يتجرأ علي امتلاك وتوزيع وقراءة الصحيفة.

خطورة قارفي أنه لم يكتفي بالتنظير والتفكير بل قارن ذلك بالعمل والتطبيق مثل (حنين) بالضبط. وذلك ما فطنت له الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية، فعمدت الي زرع الخونة من أبناء جلدته السود حوله، فكان أقرب الناس اليه مثل سائقه الخاص وغيره هم من تجسسوا عليه وقدموا الشهادات والوثائق التي أدت الي سجنه في قضية (خطوط النجم الأسود البحرية) والتي كان يهدف من وراءها الي تنفيذ مشروع العودة الي افريقيا عبر الاطلنطي.

الخيانة التي تعرض لها قارفي ظلت قضية هامة عبر عنها الراستافاريون اتباع حركة الراستافاري في كثير من اغنياتهم وكللوا صاحبها بالعار والفضيحة.

وقد اشار اليها بوب مارلي في اغنية (اشياء كثيرة تقال) في ألبوم (الخروج- اكسودوس) حين يقول:-
لن ننسي ابدأ
كيف انهم باعوا ماركوس قارفي
من أجل حفنة من الرز..

في التراث الجامايكي الأفريقي يدمغ الشخص الخائن لقضيته باسم (باك او وايا) كوصمة عار فلذا باتت هي الاسم والنموذج للخائن أو الخونة الذي باعوا قارفي بثمن بخس، مثلما تغني بذلك (بيرنينق سبير) الرمح الملتهب حين قال:-
أين (باك او وايا) الخائن الذي خان ماركوس قارفي
حيث لا مكان له في الوجود..

بل إن تابي دايموند قائد فرقة (ذا مايتي دايموندز) الذي اغتيل في جامايكا أواخر شهر مارس الماضي، ذهب ابعد من هذا ودعا لهم بالهلاك بالنار .. حيث يقول:-
انهم يبغضون ماركوس قارفي
كانوا يبغضونه الي حد خيانته..
اخوته هم من خانوه وباعوه..
من أجل حفنة من الرز والفاصوليا..
ان الخونة من أمثال (باك أو وايا)
يجب ان يهلكوا في النار..

الدولة العميقة في امريكا شنت حربأ ضروسأ علي قارفي الذي جوبه بهجوم ضار حتي من رموز سوداء مثل (دبليو إي دي بواس)، الذي قاد مع قيادات اخري من (المنظمة الوطنية لتطوير الملونين) حملة ترحيل قارفي من الولايات المتحدة الأمريكية، وحرضت الحكومة الامريكية علي القيام بهذه الخطوة.

ايأ ما كان فقد رحل الرجل الي موطنه جامايكا عبر مؤامرة شاركت فيها جهات كثيرة، ضمت سودأ وبيضأ وملونين من علية القوم وأدناهم شأنأ من بينهم اؤلئك الذين كان يقاتل من أجل تغيير حياتهم نحو الأفضل.

وقد غادر قارفي جامايكا الي لندن التي توفي فيها معدمأ، مقهورأ، وحيدأ ومديونأ، وذلك بعد سنوات عديدة من النضال الثوري في منظمة تطوير الزنوج، بعضوية يقال انها بلغت ٦ مليون شخص، ونجحت في حملة واحدة من جمع مليون دولار أمريكي في ذلك الوقت، وأقامت شركات ومؤسسات لتوظيف السود وتحسين مستوياتهم المعيشية.

اندثرت الحركة القارفية برحيل المؤسس لكن أفكار ومفاهيم قارفي ظلت مؤثرة في قيادات حركات التحرر والنضال في افريقيا ودول الشتات، وفي حركات البعث والنهضة والعودة الي افريقيا والجذور الأفريقية، ووحدة افريقيا، التي توجت بتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية والتي تحولت فيما بعد لتصبح الاتحاد الأفريقي تحقيقأ لرؤي وافكار قارفي والذي لا يقف تأثيره عند هذا الحد، بل إن تأثير الحركة القارفية امتد ليضع حجر الأساس لغالب الاعلام الأفريقية، فهي التي اخترعت علم البان افريكانيزم او حركة عموم افريقيا الذي يتكون من اللون الأحمر والأسود والاخضر، وذلك في رد علي علي الأغنية العنصرية (كل الاعراق لديها علم ما عدا الكوونز- السود). حتي الدول الأفريقية التي استخدمت ألوان علم إثيوبيا في اعلامها كان ذلك بتأثير مباشر من أفكار ماركوس قارفي، غانا مثلأ استوحت علمها من ألوان علم إثيوبيا المكون من اللون الأخضر والاصفر والأحمر مع تغيير في موضع الألوان مع إضافة نجمة سوداء كرمزية ترمز الي شركة (النجم الأسود البحرية) التي اسسها قارفي لتنفيذ مشروع حركة العودة الي افريقيا. علي كل فكل تلك الألوان ترمز الي الفخر والكرامة والمجد الافريقي التليد، والي الاعتداد بارض الأباء والجدود والأسلاف، والي المستقبل المشرق لأفريقيا، والي الاعتماد علي الذات والنضال والكفاح الثوري من أجل الحرية والعدالة والمساواة من أجل أفريقيا والأفارقة في القارة وفي الشتات.

kably1978@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى