
ورست سفنهم على الشاطئ الغربي من النيل
وتحقق سعدهم؛ ولاحت بشائر الود وعمت الأفراح ونجت من حبل المشانق رقاب؛ وفرح بها الأهالي والأمهات
وأطْفَأ نيرانَ العداوةِ وابلٌ من الحِلْمِ__وقد انطوت صفحات الظلام من الخلاف القدري بين قبيلتي (الجموعية) و(الهواوير) في ملحمةٍ تاريخية قل نظيرها سَرَّت النفوس واثلجت الصدور .
(نثرت على القلوب رياحين الأنس ؛ ونسماتُ الود عانقت الأرواح )
(يا راكِبَ الوَجْناءِ، بُلِّغتَ المنى ، عُجْ بالحِمى ، إنْ جُزتَ بالجَرعاءِ)
صلحٌ هدأت به النفوس؛ وذهبت به الضغائن وسقم الخصومة وتلاشى به النزاع؛ وساد به الود والصفاء؛ ورقص حمام الأيك طرباً؛ (وقرَّت قلوبٌ جازعاتٌ خوافقٌ؛ وخالَطَ دمعُ البشرِ دمعَ الثواكل) بعد أن استمر العداء بينهما سبع سنوات عجاف؛ فاصغوا بلا عنت ولا تجبر إلى الراي السديد والنصح الرشيد؛ فخبت نار العداوةِ وانطفأت شرارة بغضاء و فتنة كادت تقضي علي كل امل في العيش وحلم في التعايش .
سخر الله لهذا الصلح رجالاً؛ من ذوي الهمم العالية؛ والخصال الفاضلة ؛ والنفوس الراضية والمقاصد النبيلة فحَكَّموا صوت العقل؛ واستجابوا للنداء؛ (وعادتْ الأغماد بيضُ المناصل) وأدبر عنهما الشيطان ؛ وأسرجت قناديل الفرح في ربوع الريف الشمالي بالضياء الوهَّاج؛ وعادت إليه البشرى الوضيئة صافية من غير أن يكَدّرها مكدر ؛ وسقاهم النيل من فيضان سلسبيل فراديسه انسجاما ابدياً تماما مثل سيره عبر الحقب والعصور .
وانجلت غيومٌ كانت دواكن؛ وسرى النسيم في رُباها؛ وتهيأت الأرض وتزينت وربي كساها املا اخضرا مشرقا يجلي النظر وينعش النفوس ؛ (إذا البيدُ لم تُنْبِتْ نباتاً فحَسْبُها فقدت أنبتت فينا كريمَ الشمائلِ) .
هاتان القبيلتان ضربتا مثالاً في الصفح يحتذى؛ وبسطتا أكُفَّهما بالسماح بعد أن عبست بينهما عابساتُ النوازل؛ فهم قوم كرام عند الشدائد، هينين لينين موطئ الاكناف للضيف والجار وذوي الحاجة ، فهنيئاً لهما بهذا التصافي؛
وهنيئاً لـ لجنة الصلح بملابس أنوار من التاج والحُلا؛ فقد كان الصلح شغلهم الشاغل؛ وهدفهم السامي وسِرَّهم النامي؛ فجاء الصلح كمحاسن البديع وقطع الروض في زمن الربيع؛ (والصلح خير) يفوح شذاه في الربوع ويهيم بنسيمه الصّب الولوع؛ ‘ بشرى لأهل السودان بما تحقق من إصلاح ذات البين؛ وتسامى الجميع فوق الصغائر والكبائر ؛ لتنداح دائرة العطاء فتعم بلاد السودان بالخير والنماء .
وثَب لهذه المهمة نفر كريم يتقدمهم (المك غانم) (والعمدة علي عثمان عيسى )
والمك عجيب)
والقيادي البارز المهاجر بالمملكة العربية السعودية (محمد الحسن أحمد جبريل أبوالحسنين) فهو حلقة الوصل بين أطراف النزاع وقد تكللت على يديه العديد من التصالحات.
كما أن الصلح وجد اهتماماً كبيراً من أجهزة الدولة برعاية كريمة من والي ولاية الخرطوم المكلف الاستاذ (أحمد عثمان حمزة) الذي باشر مجريات الصلح بنفسه؛ وقد مدحه الجميع لدوره المتميز ، كذلك كانت الطرق الصوفية حاضرة كعادتها في كل قضايا الصلح ومافيه مصلحة المجتمع ، كان من هؤلاء السَّادة الأماجد؛ على سبيل المثال لا الحصر؛ / الخليفة الشيخ عبدالرحيم الشيخ محمد صالح خليفة السجادة الطيبية السمانية؛ /والخليفة الشيخ عبدالوهاب الخليفة الحبر الكباشي؛ وكذلك سليل الدوحة الطيبية الشيخ مجاهد الطيب العباسي ، ومن رجالات الإدارة الأهلية /أمير قبيلة الكبابيش الراحل التوم حسن التوم الذي كان مهموماً بهذه القضية وبذل فيها جهداً مقدراً إلى أن وافته المنية علي قبره شآبيب الرحمة والمغفرة ، ايضاً هناك من رتَّب وأَعدَّ وهَنْدَس وكان له القدح المُعلَّى؛ والنصيب الأوفى؛ الأخ العزيز ابن الريف الجنوبي (خالد الضو) الرجل الذي ترفع له القبعات؛ وكذلك من أعيان الريف الشمالي وقادته؛ (المستشار جودة الله عثمان) (والأستاذ جودة الله الطيب) والأستاذ الهمام (عمر خليفة ) والشاب الورع (هشام السري) معذرة لمن سقطت أسماؤهم وفات عليَّ ذكرهم.
إن كان لي من وصية أسديها أو أهديها؛ إلى هاتين القبيلتَيْن العظِيمَتيْن؛ ان يعضوا بالنواجذ والانياب على هذا الصلح؛ ويحافظوا على وسامته
وتحطيم الفواصل والحواجز التي تعترضه ، بربط النسيج الاسري والعشائري ومد حبال الوصل بينهما؛ ليسود العفو والتصافح ،
والتساند والتكاتف و لتتجلى انصع السمات والصفات الراسخة التي وسمت وميزت علاقات الود والاخاء والعايش والترابط بينهما .
هذا الصلح يُكتب على صفحات القلوب ويسير بذكره الركبان؛؛
فلا. تكدروا صفوه؛ وتنبشوا قبره ، و تذكروا قول الله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) فأنتم أهل لذلك—- فلا يصُدنَّكم الشيطان عن هذا الفضل الكبير.
الوطن الكبير يجمعكم ؛ وأخوة الإسلام تربطكم ؛ وحسن الجوار يحْتضِنكم ، وصار بينكم التزاوج والتصاهر؛ وأنجبتم البنين والبنات؛ __ أدام الله بينكم العلاقات وغفر الله لجميع الأموات؛ الذين مضوا إلى ربهم نسأل الله لهم المغفرة والرحمات؛