
تغيرت صورة المشهد السياسي اليمني بالكامل تقريبًا، بصورة دراماتيكية لكن كثيرا يرونها متاخرة، على الاقل في اتجاه ازالة او تخفيف منسوب التوتر والصراعات التي حكمت العلاقات داخل معسكر السلطة المعترف بها دوليا والمدعومة من تحالف دعم الشرعية الذي تقوده السعودية، وهي خطوة ضرورية على طريق انهاء الحرب الاهلية التي تمزق البلاد منذ ثماني سنوات عجاف.
قبل أيامٍ أعلن الرئيس اليمني تشكيل مجلس قيادة رئاسي لاستكمال تنفيذ المرحلة الانتقالية استوعب القوى الصاعدة والفاعلة على الأرض التي لعبت دورًا مهمًا واستراتيجيًا في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، ونقل إليه صلاحيات نائب رئيس الجمهورية، وأطاح بنائبه الجنرال المتهم بالوقوف وراء الانتكاسات العسكرية ’’علي محسن الأحمر‘‘.
لا يجادل أحد في أن الخطوة كان لابد من اتخاذها بعد أن وصل وضع الحكومة اليمنية إلى أسوأ حال. لأكثر من سبع سنوات اتخذت الرئاسة اليمنية سياسات فاشلة في التعامل مع الأزمة اليمنية، وانعدمت أو غابت الكفاءة في معايير التعيين وحضرت بدلًا عنها المحسوبية.
ربما أكثر ملامح هذه المرحلة هو تدهور قيمة الريال اليمني، واستشراء الفساد في كافة مؤسسات الدولة، ورفض الرئاسة اليمنية استيعاب القوى الفاعلة التي تصدرت المشهد السياسي اليمني، ولعبت الدور الاهم والحاسم في مواجهة وهزيمة الحوثيين ولاحقًا في إعادة مؤسسات الدولة إلى العمل وتقديم نموذج يمكن البناء عليه في الاستقرار والأمن في المناطق التي تواجدت فيها هذه القوى كالمجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية، وذلك بسبب هيمنة حزب الاصلاح الاسلامي (الذراع الاخواني اي اليمن) على قرار السلطة وهو الذي يصنف القوى الجديدة في خانة الاعداء ما تسبب بتصدعات كبيرة مكنت انصار الله الحوثيين من الاحتفاظ بالشمال وتقريبا كامل ما كان يعرف باليمن الشمالي، وكل ذلك لان الحزب الإخواني يريد الهيمنة على السلطة وقرارها منفردا ويتحق من صعود نجم اي قوة عسكرية او سياسية يمكن ان تهدد تلك الهيمنة التي وصل اليها على انقاض البلاد عقب اضطرابات عام 2011م
لكن تلك الهيمنة والتفرد تسببت في الواقع بانتكاسات وفشل متواجد وكانت ملامح المرحلة، تعدد الانتكاسات العسكرية في معسكر القوات الحكومية. انهارت العديد من الجبهات العسكرية التي سقطت بيد الحوثيين كما حدث على سبيل المثال لا الحصر في محافظة الجوف، وقبل ذلك، في جبهة نهم الاستراتيجية الواقعة عند البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء، ولاحقًا، في محافظة شبوة حيث سقطت ثلاث مديريات بقبضة جماعة الحوثي، قبل تدخل التحالف العربي وإعادة ترتيب الوضع في المحافظة، إذ أسند الملف العسكري في المحافظة للقوات التي تعرف بـ”ألوية العمالقة الجنوبية” الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي.
انعكس ذلك إيجابًا على مسار المعركة العسكرية التي دارت قبل أشهر، إذ تمكنت قوات ألوية العمالقة الجنوبية من استكمال تحرير محافظة شبوة بالكامل، والتوغل على مديرية حريب الاستراتيجية في محافظة مأرب والسيطرة عليها وبذلك خففت الضغط على محافظة مأرب التي تشهد موجهات بلا هوادة منذ أكثر من عام، بسبب سعي الحوثيين للسيطرة على المحافظة الغنية بالنفط.
لذلك، يمكن اعتبار هذه الخطوة مهمة واتت في توقيت حساس يحتاج إعادة ترتيب الوضع داخل الحكومة اليمنية بما يسهم في إعادة الحياة إلى المحافظات المحررة ومواجهة هذه التحديات الكثيرة. يواجه المجلس الرئاسي هذه التحديات مضاف إليها تحدي استعادة ثقة الناس بالحكومة بعد أن كانت هذه الثقة قد تبددت بسبب السياسات الفاشلة التي سبق الحديث عنها.
يمكن الرهان على المجلس الرئاسي في مواجهة هذه التحديات. في داخله تتواجد قوى وازنة قريبة للشارع اليمنية طوال سنوات الحرب الماضية، وولدت من رحم المقاومات التي قاتلت الحوثيين كرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي، ورئيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية العميد طارق محمد عبدالله صالح، ويمكن هذه الشخصيات تعميم النموذج الذي استطاعت تقديمه في المحافظات التي تواجدت فيه قواتهما، وهدم منظومة الفساد التي قوضت أداء المؤسسات وتجاوز أخطاء الماضي المتراكمة.
الملف الاقتصادي ربما سيكون الأول في سلم أولويات هذه القوى باعتباره أنها كانت مدركة أهميته وأثارة لأنها كانت متواجدة على الأرض، وبعدها الملف السياسي حيث المساعي الدولية لإحياء المفاوضات السياسية اليمنية، مع ذلك يظل الملف العسكري حاضرًا حال فشل الخيار الأول.
ما قد يساعد أو يعزز الرهان على المجلس الرئاسي هو الانسجام أيضا المتواجد في صفوف أعضائه وتواجد شخصيات سياسية وعسكرية تتكئ على خبرات كبيرة، تؤهلها أو تساعدها على مواجهة التحديات، ولذلك، حتى الشارع اليمني يبدوا للمتابع أنه يعول عليه، ويعتقد أنه قادر على انتشاله من الوضع الذي يعيشه، مضاف إلى ذلك، حجم الدعم الدولي للمجلس وكذلك، الدعم المقدم من التحالف العربي عسكريًا واقتصاديًا بالدعم الذي قدمته المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بمبلغ ثلاثة مليارات دولار.