صالح الريمي يكتب : كن حيّاً بعد موتك

إن من بيننا أناساً نعايشهم بواقع حياتنا اليومية، ليس لهم في الحياة سوى الركض خلف مُتَعها، ولا يدرك سر وجوده هنا ولا رسالته، ما همهم سوى أجساداً تأكل، وتشرب وتنام، وتتمتع كما تفعل الأنعام، الحياة لا تتغير عندهم، ما أصعب أن يموت المرء وهو حيٌّ يرزق! وما أجمل أن يعيش وهو تحت ثرى الأرض!.
والصحيح أن طريقة حياتنا هي التي تتغير، فأهدافنا تتغير، وطموحنا يتغير، وبأيدينا أن نجعل حياتنا شجرة وارفة الظلال يفيء إليها المقيل والمسافر، وما أجملها إذا كانت شجرة مثمرة ترمي بأرقى وأحلى الثمار ولو رميت بحجر.

يقول أحد الكتاب ذات مرة كنتُ أبحثُ عن (ابن تيمية)، وضعتُ اسمه في “Google”، فوجدتُ شيئاً مرعباً ومذهلاً للمؤيد، والمعارض، والمحب، والمبغض، والذي يعتبره من أعظمِ الأولياء، وأكبر العباقرة، والذي يحاول أن يخرجه من الإسلام..
وجدلاً في تفاصيله بحيث تحسُّ بأنكَ لا تقرأ عن شخصٍ يرقد في قبره منذ ثمانمائةِ سنة، وإنما عن حيّ حاضر له دوي أكثر بكثير من عامةِ الأحياء! وهذا حال كثير من الرموز الدينية والسياسية، والزعامات الشعبوية.

واستشهد هنا بنماذج من التاريخ، فهناك قوماً أحبوا علياً رضي الله عنه حتى كفروا بحبه، وأبغضه آخرون حتى كفروا ببغضه، وعاش ابن عربي بين فئة تراه قطب الأولياء، وأخرى تراه شيخ الملحدين، وسمى فريق من المسلمين ابن رشد فيلسوف الإسلام، ونقم عليه فريق فملئوا وجه ابن رشد بصاقاً في المسجد الجامع أمام الناس، وتبقى الحسنات حسنات، وتبقى السيئات سيئات، وصحيفتك في الآخرة هي المحك الحقيقي لمقامك عند الله عزوجل.

يقول المنفلوطي رحمه الله كلاماَ نفيساً في هذا الجانب: “إذا رأيت شاعراً من الشعراء أو عالماً من العلماء أو نبيلاً في قومه أو داعياً في أمته: قد انقسم الناس في النظر إليه وفي تقدير منزلته انقساماً عظيماً، وانفرجت مسافة الخلف بينهم في شأنه..
وفتتن في حبه قوم حتى رفعوه إلى رتبة المَلك،
ودانوا ببغضه آخرون حتى هبطوا به إلى منزلة الشيطان: فأعلم أنه إنسان عظيم”.

*ترويقة:*
قال الشاعر:-
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أمواتُ
وقال شاعرٌ آخر:-
فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا
فَالذِّكْرُ لِلإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِ

ومضة:
قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)، فهناك أموات لم تمُت كلماتهم، وهناك أحياء لم نسمع لهم صوتاً، فكن حيّاً بعد موتك.

كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى