
لا للإنتهاك الممنهج للقانون .. لا لقتل العدالة ..!
بمناسبة إنتهاء ألفية أولى لإعتقال مولانا أحمد هارون (1030) يوم من الإعتقال بدء من (11 أبريل 2019 وحتي اليوم 3 فبراير 2022م) دون أسباب قانونية كافية ، وبالنظر الي العيوب الجوهرية التي صاحبت ذلك الإعتقال ، وللقلق العميق الذي إعترانا جميعاً من جراء تلك الانتهاكات الجسيمة للقانون بحقه ، فقد تداعي العديد من زملاء مولانا هارون الذين تزاملوا معه في دراسة الحقوق بالجامعة والقضائية والمحاماة والأجهزة العدلية الأخرى وأجهزه إنفاذ القانون ، وشمل ذلك التجمع قضاة سابقون ومستشارون سابقون بوزارة العدل والنائب العام وأساتذة قانون بالجامعات ، وقادة وضباط شرطة سابقون لتنسيق تحرك قانوني جماعي لوقف ذلك الإنتهاك الممنهج للقانون بحق مولانا هارون ، وقد تدافع إعلاميون مهتمون بذات الأمر ، ومبدعون من تشكللين وكتاب وروائيين وشعراء ومصورين ممن كانوا شهودا علي لوحة بناء السلام التي أنجزها مولانا هارون مع رفيقه السابق (الحلو) بجنوب كردفان ، وأولئك الذين قدموا مساهمات مبدعة أسهمت في بناء وجدان جماعي لملحمة نفير شمال كردفان وإتفق الجميع علي أهمية بناء حملة تضامن واسعة مع هذه القضية بتكوين مبادرة (تحالف قانونيون وإعلاميون ومبدعون للدفاع عن مولانا / أحمد محمد هارون) ، وستطلق المبادرة موقعاً إلكترونياً للتضامن والإنضمام لهذا التحالف الذي سيكون مفتوحاً لمشاركة الجميع ، غايته أن نري هارون طليقاً ، وأن تتحقق العدالة في سموات هذا الوطن الجدير بها .
توقفنا في الحلقة الماضية الثانية كيف أن النائب العام مولانا الحبر قام بضم المعتقل أحمد هارون ، وأربعة آخرين للبلاغ رقم (2868) لسنة 2006 م قسم شرطة الجنينة) ؟! ، وكيف تمت عمليات إجراءات القبض عليه وتجديد حبسه بصورة مخالف للمادة (72) من قانون الإجراءات الجنائية والمادة (79) .
نواصل في الحلقة الثالثة ما توقفنا عنده .
(6) فى قضيتنا هذه لم يتم الإلتزام بأى من هذه الإجراءات ، إذ أن أول إستدعاء للنيابة للمعتقل أحمد هارون جاء بعد مضي حوالى العام من تاريخ القبض عليه ، (ذلك بإعتبار أن حساب تاريخ إنتهاء القبض والإبقاء بالحراسة بموجب أمر الإعتقال التحفظي الصادر من رئيس المجلس العسكري قد أنتهى فى 27/11/2019م) حسب قرار المحكمة الدستورية ، وأن القبض بموجب قرار النائب العام قد سرى إعتباراً من تاريخ ضم المعتقل للبلاغ (2868) لسنة 2006م فى مطلع ديسمبر 2019م وتوجيهه بتعديل مستند الحجز بالسجن على ذمة ذلك البلاغ ، علماً بأن أول جلسة للتحرى معه كانت فى 17/10/2020م..؟!.
(7) طيلة الفترة من 2/12/2019م وحتى 2/6/2020م لم يتم تجديد حبس المعتقل أحمد هارون بواسطة أى قاضي ، مما يجعله حبساً غير مشروع ، وتخلو سجلات سجن كوبر من أى أمر تجديد حبس لكل تلك المدة ..! بالضبط ستة أشهر من الحبس دون أى سند قانوني ..!.
(8) بعد مضي الستة أشهر يبدو أن النيابة إنتبهت لخطأ إجراءاتها ، فعرضت الأوراق على قاضي التجديدات (مولانا أحمد الطاهر عبد السلام قاضي الإستئناف المشرف على سجن كوبر) ، لقد باشر القاضي المذكور سلطة التجديد دون حضور المتهم ولمدة لا يخولها له القانون فقد جدد الحبس لأغراض التحري لمدة شهراً إعتباراً من 3/6/2020م وحتى 3/7/2020م ، فقد خالف هذا القاضي القانون المنظم لسلطته فى التجديد بموجب المادة (79/2) على النحو التالى :
باشر تجديد حبس المتهم دون مثوله أمامه ، رغم أن النموذج القضائي رقم (36) الصادر من سعادة رئيس القضاء بموجب سلطته وفقاً لأحكام المادة (212) والتى تخول لرئيس القضاء سلطة إصدار النماذج والقواعد المتصلة بتنفيذ هذا القانون (قانون الإجراءات الجنائية) تلزمه بذلك ، بل وتعتبر شهادة القاضي بمثول المتهم أمامه بمثابة مستند رسمي يثبت تلك الواقعة (واقعة المثول) مثلما في النموذج (36) أدناه .
إلى الموظف المسئول عن سجن ………………………..بما أن الشخص المسمى أعلاه قد قبض عليه وأحضـر أمامى متهماً (أذكر بدقة الجريمة ووقت ومكان إرتكابها) ………………………………………………… فأنت بهذا مخول ومكلف بإسـتلامه ووضعه فى الحجز إلى حين صدور أمر آخر على أنه إذا لم يصدر أمر بشأنه قبل يوم ———– يتوجب عليه أن تحضره أمامي مع هذا الأمر للحصول على أمر بشأنه .
التاريخ : يوم —- ةشهر —- سنة — 20م .
حدد السجن إلى :
التاريخ : يوم —- شهر —– سنة — 20م .
إسم القاضي وتوقيعه
————-
السؤال هو : لماذا نص القانون وأصدر رئيس القضاء ذلك النموذج ؟ !.
بالنظر لخطورة أمر الإبقاء على المتهم بالسجن رهن التحرى ، وبإعتباره إجراء ماساً بالحرية ، بل ويتضمن إجراء عقابياً (الوضع بالسجن) ، فقد أحاطه المشرع بكل تلك الضوابط ولأهميته البالغة مارس رئيس القضاء سلطته بموجب المادة (212) من قانون الإجراءات الجنائية وقام بإصدار ذلك النموذج ليتذكر القاضي المباشر لإجراءات تجديد الحبس أهمية الإلتزام بتلك الضوابط ، ببساطة فإن الفقرة الواردة فى النموذج رقم (36) والتى تفيد (أن المتهم قد مثل أمام القاضي) ، هى بمثابة شهادة من القاضي بثبوت هذه الواقعة (واقعة مثول المتهم المراد تجديد حبسه لأغراض التحرى أمام القاضي) وبلا شك فإن عدم حدوث ذلك (واقعة المثول) يعتبر جريمة ، فالسادة القضاة ليسوا فوق القانون ويترتب على أفعالهم المخالفة للقانون فى تسييرهم لشئون العدالة جرائم .
وجاء فى المادة (104/3) من القانون الجنائي أن إختلاق البينة والذي عرفته تلك المادة بأنه يتضمن أعداد مستند يتضمن بيانات باطلة أو مغايرة للحقيقة ، فأي مغايرة للحقيقة أكثر من شهادة قاضي بمثول المتهم أمامه وهو لم يمثل ! ، ومخالفاً بذلك أحكام المادة (124) من القانون الجنائي التى جاءت بعنوان (تحريف مستند بواسطة موظف عام) والتى تقرأ : (كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة يقوم عند تحرير مستند بتدوين وقائع غير صحيحة أو يغفل إثبات وقائع حقيقية، مع علمه بذلك، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سبع سنوات كما تجوز معاقبته بالغرامة) .
هذا الإجراء (مثول المتهم أمام القاضي المراد منه تجديد حبس المتهم) هو إجراء قضائي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وتترتب عليه العديد من الآثار —- فالقصد منه أن تُتاح الفرصة للمتهم المراد تجديد حبسه لمناهضة طلب سلطة الإتهام بتجديد حبسه ،والدفع بالمسوغات والحيثيات التى يراها ملائمة لدفاعه ذلك ، وتجد هذه المادة جذرها القانوني فى قاعدة (هيباس كوربوس) (Habeas Corpus) (تحدى الإعتقال غير المشروع) والتى أرساها القضاء الإنجليزي منذ القرن الثالث عشر ، ولقد كتب اللورد توم بينغهام رئيس القضاء الإنجليزي الأسبق ، مفصلاً لتلك القاعدة فى مؤلفه القيم (حكم القانون) ، الذي تفضل مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بأم درمان بترجمته ترجمة رائعة بواسطة الأستاذ / عثمان نصيري ونقتبس منه قوله (إن بساطة ذلك الأمر القضائي هو مصدر منعته وفضله ، ولقد جاء إعتراف واسع النطاق بأنه أنجح معالجة فى وجه لا قانونية الجهاز التنفيذي الذي يشهدها عالمنا ، معالجة أدخلها وطورها القضاة وجرى تبنيها فى بلدان أخرى) .
وفى قضاءنا السوداني ، درج الساده رؤساء القضاء المتعاقبين وبإستمرار على إصدار المنشورات التى تحث الساده القضاة على ضرورة الإلتزام بتلك الضوابط عند ممارستهم لسلطة التجديد ، لقد إنتبه سعادة رئيس القضاء ومنذ وقت باكر ، لأهمية الإجراء وقام بإصدار المنشور الجنائي رقم (27) لسنة 1952م ، أوضح فيه الشروط والضوابط التى يتعين على القضاة مراعاتها أثناء مباشرتهم لسلطة التوقيف بالحراسة رهن المحاكمة ، وشدد رئيس القضاء ضمن أمور أخرى فى ذلك المنشور ، على وجوبية مثول المتهم المراد التجديد له أمام القاضي ، وأن لا تتجاوز مدة التوقبف فى كل مرة (15) يوم .
آن الأوان لأن يمتد سلطان القانون بمقرعته العنيفة للنيل من القضاة الذين لا يكترثون للقيام بواجبهم المهني طبقاً للقانون ، ليس فقط بإلغاء أحكامهم بطرق الإستئناف أو النقض ولكن بتحميلهم المسئولية الشخصية الجنائية والمدنية عن أفعالهم التى لا تلتزم بصحيح القانون وتخالفه على الخط المستقيم ، جنائياً وفقاً لنص المادتين (90 / 124) من القانون الجنائي ، ومدنياً وفقاً لأحكام المادتين (160/162) من قانون المعاملات المدنية التى تقرأ على النحو التالي :
المادة (160) المسئولية الشخصية الوظيفية والمهنية :
البند (1) :
كل شخص يكون مستخدماً لدى آخر أو يتولى عملاً لآخر يسبب إضراراً بالآخر أو بالغير استغلالاً لوظيفته أواستهتاراً بواجباتها أو إهمالاً غير مبرر في أدائها يلزم شخصياً بتعويض الضرر الذي سببه للغير .
المادة (162) بعض أنواع الاضرار الشخصى والوظيفى والمهنى :
البند (1) :
يعتبر تعطيل الخدمات أو حرمان الغير من خدمة أو منفعة مشروعة عمداً أو دون عذر مشروع والمحاباة دون سبب مشروع إضراراً وظيفياً أو مهنياً بالغير .
البند (2) :
دون المساس بعموم البند (أ) يعتبر إضراراً شخصياً وظيفياً أو مهنياً الأفعال الآتية :
(ب) تعطيل التحري أو الإعلان أو الفصل في القضايا أو إجراءات العدالة دون سبب مقبول وإصدار الأحكام ضد صريح النص استهتاراً بالقانون أو استهتاراً بقصد المشرع وخروجاً على ضوابط الاجتهاد الفقهي أو استخفافاً بحقوق المتقاضين .
لقد بلغ عدم إلتزام الساده قضاة التجديد مبلغاً غير محتملاً البتة عند النظر فى طريقة تعبئة السادة القضاة لذلك النموذج ، حتى في تعبئة البيانات الخاصة بالمتهم المراد التجديد له فإنهم لا يقومون بإستيفاءها بصورة صحيحة أو دقيقة علاوة على توقيعهم على شهادة غير صحيحة تفيد بمثول المتهم المراد التجديد له أمامهم وهو لم يمثل ، وهذا يكشف بعداً خطيراً ومزعجاً وغير قانونياً تتم به ممارسة تلك السلطة ، ومن ناحية أخرى فإنهم لا يتلزمون بالمدة المحددة لتجديداتهم وهى إسبوعين.
إن نصوص المواد الواردة فى القانون الجنائي على النحو الذي بيناه آنفاً وتلك الواردة فى قانون المعاملات المدنية تثير بحق مسئولية القضاة المهنية والوظيفية فلا يتصور إرتكاب تلك الجرائم إلا ممن لا يحملون صفة القاضي أو من يشتغلون بمهن شبه قضائية أو معاوني العدالة من أجهزة إنفاذ القانون ، ويرجى التكرم بالإطلاع على المؤلف القيم لمولانا / د.عدلان الحاج محمود قاضي المحكمة العليا فى مؤلفه بعنوان (التعويض الناتج عن أضرار التقاضي فى الفقه الإسلامي والقانون) وإستعراضه المحكم لسابقة لسابقة حكومة السودان ضد المكاشفي طه الكباشي فى (ص 200) .
نواصل غدا …