محمدين محمد اسحق يكتب:- الحصة وطن (٢-٣)

كنا قد تحدثنا في المقالة الاولي عن ان انخراط اطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاقية جوبا لسلام السودان في الصراع السياسي بين المكون العسكري والمكون المدني، وهو ما فاقم من عمق الأزمة التي كانت تلوح في الافق، وقلنا أن دخول اطراف السلام أدي إلي تقوية موقف صقور المكون المدني علي موقف الحمائم فيه، وكتبنا انه لولا هذا الانحياز لأمكن لهذه الأطراف أن تلعب دورأ مهمة في لملمة وجهات الاختلاف بين المكون العسكري والمدني داخل السلطة الانتقالية.

وقد تصاعدت وتيرة الخلاف والتصعيد بين شركاء الفترة الانتقالية بعيد الإعلان عن المحاولة الانقلابية الفاشلة بقيادة اللواء عبد الباقي عثمان بكراوي بتاريخ ٢١ سبتمبر ٢٠٢١. والي هنا كان الامر سيمضي في سلاسة خاصة بعدما أعلن البرهان عن تقديم الضباط الذين شاركوا في المحاولة الانقلابية إلي المحاكمة. ولكن نداء محدود الكلمات من الاستاذ محمد الفكي عضو مجلس السيادة السابق علي الفيسبوك الي الشعب السوداني بالنزول الي الشارع لحماية ثورته نقل الصراع الخفي في دهاليز القصر الجمهوري الي العلن وبصورة متشنجة وبعدها تداخلت اطراف عدة في ازكاء نيران الصراع الذي كان يمكن لملمته ومهما كان ساخنأ في حيزه الضيق المفترض. لكن لأن الأمر في حقيقته كان يتمثل في غياب الثقة بين المكونين، والذي أدي في النهاية إلي صعوبة العيش المشترك بينهما، فكان لابد من الطلاق المر في خاتمة المطاف، وسوأ أكان الأمر يرجع إلي الانقلاب المعلن عنه او الي كلمات الفكي الداعية إلي حماية ثورة الشعب من العسكر، فالأمر بات يؤشر الي ان الأزمة في طور الاتساع.

ما حدث جعل الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء المستقيل في موقف لا يحسد عليه بين حاضنته السياسية وبين شركاءه العسكر. وظهر ذلك في انه كان يحاول وحتي اللحظات الأخيرة قبل استقالته، ان يقوم بدور الوسيط في نزع فتيل الأزمة.
فقام حمدوك بالالتقاء بكل الأطراف لرأب الصدع بينها، فجلس مع المكون العسكري وبعدها جلس مع قيادات الحرية والتغيير- المجلس المركزي في منزله، كان ذلك بتاريخ السادس من أكتوبر ٢٠٢١. حينها كان الاعلام والتسريبات المغلوطة من هنا وهناك تزيد من اوار المعركة الكلامية بين كل الأطراف خاصة بعد دخول الحرية والتغيير- الميثاق الوطني علي الخط.

حينها كانت هناك تسريبات اعلامية تشيع بأن العسكر حددوا لحمدوك اسماء بالاسم لاستبعادهم من الحكومة من بينها كما اشيع الاستاذ خالد سلك، وتم توجيه السؤال لحمدوك عما اذا كان العسكر طلبوا منه هذا الطلب أو ذكروا له شيئأ في هذا الخصوص؟ فكانت اجابته بالنفي.

المسألة الاخري التي طرحت كانت ما هي مطالب العسكر من الحرية والتغيير المجلس المركزي، فكانت الاجابة وقف التصعيد الاعلامي.

في ظني لو أن الحرية والتغيير المجلس المركزي وبالذات في لجنتها الاعلامية خففت من معركتها الاعلامية علي المكون العسكري لمهد ذلك لخوض حوار مباشر مثمر بين المكونين.

النقطة الاخري المهمة هنا في أن قحت- المجلس المركزي استخفت بمساعي تكوين قحت- الميثاق الوطني وبمدي ما يمكن ان تحدثه تلك الخطوات في الواقع السياسي في ظل انسداد التواصل مع العسكر.

بالتأكيد قرارات رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في تجميد العمل بالوثيقة الدستورية دشنت الفراق الرسمي بين المكون العسكري والحرية والتغيير- المجلس المركزي. وان افلحت الأخيرة في تحريك الشارع عبر واجهاتها الخفية، لكن تظل الحقيقة أن المظاهرات المتتالية تحت دعاوي مقاومة انقلاب البرهان تظل متفاوتة الأثر والتأثير في ظل انقسام الشارع نفسه بين داعم ومعارض ومحايد لقحت المجلس المركزي، والذي تجلي في طرد قيادات منها من قبل بعض المتظاهرين.

وبقدر ما كانت رسالة التظاهرات من مظاهر إثبات الوجود في الشارع السياسي الا انها ارسلت رسالة سالبة للمجتمع الدولي في عدم مقدرة القوي السياسية علي ضبط الشارع، وهذا مؤشر يحمل مخاطر جمة لما يمكن ان ينتج عنه اذا استمرت التظاهرات التي قصد منها انهاك سلطة البرهان، لكنها في المقابل باتت تميل الي الفوضي والانفلات. وبعثت برسالة غير مريحة الي المحيط الإقليمي والدولي بأن الامور في السودان قد تكون خارج السيطرة اذا استمرت علي هذه الشاكلة من حالة الاحتقان وعدم الوصول الي حل للازمة المستمرة منذ شهور.

اما علي المستوي الداخلي
فالسودان بات بين أن يكون او لا يكون. والأزمة المتفجرة اذا لم تحل سياسيا فستتحول الي كارثة ستلقي بظلالها وتأثيراتها السالبة علي الأمن والاستقرار في المحيط الاقليمي.

(ونواصل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى