رشان اوشي تكتب :الطريق الى دولة الرفاه!

الحاسة السادسة

rishanoshi@gmail.com

عرفت حقبة التاريخ السياسي البريطاني ما بعد الحرب 1945م ، حتى انتخاب “مارغريت ثاتشر “من حزب المحافظين كرئيسة وزراء في عام 1979. عرفت بفترة (وفاق ما بعد الحرب) ومعنى المفهوم أنه كان هناك إجماع واسع النطاق على السياسة العامة والتي تشمل دعم الجماعية والاقتصاد المختلط ودولة الرفاهة، وظهر ذلك في تقارير مفكري الاقتصادى الليبرالي،. عندما اكدوا على ان السياسات المُتبعة والمنفذة من حكومة حزب العمال وضعت قاعدة توافق الآراء، فقد وافق حزب المحافظين على العديد من هذه التغيرات ووعد بعدم التراجع عنها.

ذات التجربة استخدمت في “نيوزيلندا” ، أعتبرت “التسوية التاريخية” عصرًا في تاريخ نيوزلندا السياسي، فقد تم بناء الوفاق حول “التسوية التاريخية” بين طبقات المجتمع المختلفة: بضمان وصيانة وحفظ الحقوق، والصحة والأمن الوظيفي لكل العمال، في مقابل التعاون بين النقابات وأصحاب العمل هذا من جانب الاقتصاد.

كان يعتقد السودانيون ان نظام “البشير” البائد عقبة في طريقهم الى دولة الرفاه، ولكنهم تفاجئوا بعد انتصار ثورة ديسمبر العظيمة ، بأن هذا الطريق شائك، تعبده الدماء، لأن النخبة لم تصل بعد الى الرغبة في الوفاق والتسوية، لذلك يكون التطرف سيد الموقف، الصراع التاريخي بين السودانيين، و بين مؤسسات الدولة، والاحزاب لم ينته في اي مرحلة من مراحله بانتصار دائم، انما جميعها انتصارات مؤقتة، عسكر ومدنيين، إلى جانب العامل الحاسم، وهو أن أيا من القوى السياسية لن يتمكّن من إسقاط دولة الجيش بمفرده في جميع مراحل هذا الصراع منذ العام 1956.

ولكن هذه المرة إختلفت الظروف قليلا، فقد عول العسكر بداية على إستثمار خلافات القوى السياسية فيما بينها، للدخول الى منصة الحكم بأريحية، ولكنهم تجاهلوا التاريخ فتلك الاحزاب تعتبر خلافات تياراتها مشكلاتٍ يمكن تخطيها بالحوار، والتسويات، والحلول الوسط، والتنازلات المتبادلة، لذلك التعويل على عمليات الإنقسام ليس منطقيا ،وفي ذات الوقت لن تستطيع تلك الاحزاب إسقاط “البرهان” بدون التنسيق مع قادة الجيش، وهذا ايضا خيار غير منطقي، بسبب الخطاب التخويني والعدائي الذي وجه للجيش والمؤسسة الأمنية.

بعد إستقالة رئيس الوزراء “د.عبدالله حمدوك ” تعقد المشهد كثيرا، وضاعت اخر فرصة للعسكريين ، وبات امامهم الان مواجهة الواقع بشكل جدي، تغيير بعض الوجوه مطلوب في الفترة القادمة، يجب ان يغادر بعضهم ، لأن الفترة القادمة لا تقبل التكرار ، وفي ذات السياق ، يجب على قوى الكفاح المسلح “إتفاق جوبا” التحلي بقدر من المسؤولية ، بدلا من التواري خلف الاحداث، وكتابة التغريدات الخجولة، انتم الان حلفاء للعسكر، هذا هو الواقع، يجب ان تتحلوا بالشجاعة وتتجهوا لتقديم خطاب سياسي واضح.

هذا المشهد الماثل امامنا خطير، يجب الانتباه لذلك، التعويل على عامل الزمن غير مجدي، الثوار في الشوارع لهم مطالبهم الواضحة، تجيش قلوبهم بغبن بتراكم يوميا مع كل إصابة وكل شهيد، الجيش لن ينحاز هذه المرة يجب ان تعوا هذه الحقيقة، البحث عن حلول وسط، وخيارات موضوعية وواقعية ، افضل من السعي خلف رغائبية النخبة.

الاوضاع الان تشير الى إختلال كبير، وربما تكون نهايته مواجهة غير مأمونة العواقب، التسوية هي الخيار الافضل الان، ولكن يجب ان تكون قائمة على أسس وفاقية وليست محاصصات نفوذ وسلطة، يجب ان يدلي جميع السودانيين بدلوهم حتى نعبر هذا النفق المظلم الكئيب.

محبتي وإحترامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى