بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب : كل الجمال في كسلا

للمدن في خاطري ذكريات جميلة منها ما سأحكي لكم اليوم عن كسلا الحبيبية في رحلة كانت علمية وسياحية .الطريق الشرقي إلى ولايات الوسط والشرق كان هادئاً ومليء بالنسمات العليلة ونحن في صحبة أماجد تحلو بهم الرحلة وتتحقق مقاصد السفر البروفيسور عمر محمد التوم الشامي الرئيس الأسبق للاتحاد المهني العام لأساتذة الجامعات والمعاهد العليا السودانيين، الذي يجمع ما بين الجد والطرافة واللطف، والدكتور المرح أسامة محمد سعيد أمين الإعلام للاتحاد حينها والذي أصبح في مثل هذه المناسبات التي نقصد إليها ولايات السودان الرفيق الوفي.
في هذه الزيارة تعرفت على العديد من المدن والقرى في شرق الجزيرة عن قرب بعد أن قرأت عنها الكثير، الهلالية، ود راوه، الجنيد، الشرفة الفوق، الشرفة البحر والشريف بركات، والأخيرة هذه قرأت عنها في الأيام الماضيات في استعراض كتاب تاريخ حياتي لرائد تعليم البنات الشيخ الراحل بابكر بدري، حيث ترتبط المدينة بالشريف بركات رجل البر والتقوى وصاحب المكانة السامية حتى لدى إدارة الاحتلال الانجليزي الذي عاصره .
كم كنت أتمني أن ندلف إلى داخل منارة الشريف ولكن الوقت يمضي ونحن نود أن نبلغ مقصدنا هناك في كسلا بعد أن نتخطى الفاو والقضارف و ود الحليو، وقري الرشايدة حتى مستورة حيث تجمعهم الأكبر وهذه قد زرناها من قبل برفقة طيب الذكر المغفور له بإذن الله الدكتور المعتصم عبد الرحيم عندما قصدها حاثاً أهلها على التعليم خاصة تعليم البنات في برنامج أعدته وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع منظمة اليونسكو.
الطريق إلي هناك تكسوه الخضرة ورونقها “سميسم القضارف” الذي يرتفع عن الأرض قليلاً فخريف ذاك العام لم يبدأ مبشراً ولكننا دعونا الله أن تكون نهاياته غنية بالزرع والضرع ،وهاهي كسلا أخيراً تطل بوجهها الأخضر الجميل، عبرنا القاش،وكان هادئاً هذه المرة، متأثراً بخريف لم يفض فيه حتى النيل وسألنا الله ألا يكون ذاك مؤشر جفاف قادم ،طافت بخاطري كل الصور الجمالية للمدينة ونحن نصل إلى مكان إقامتنا.
في المساء صحبنا المرحوم طيب الذكر الدكتور مصطفي علي أبشر عميد كلية الدراسات العليا بجامعة كسلا وعضو المكتب التنفيذي للاتحاد حينها في جولة داخل المدينة لتفقد كل معالمها ، ثم جلسنا جلسة ما منظور مثيلها ، مع أصدقائه من أعيان المدينة في قهوة اوسكار ، كانت لحظات رائعة ضمت إضافة إلى رئيس الاتحاد المهني لأساتذة الجامعات والمعاهد العليا كل من رئيس اتحاد عمال الولاية ورئيس اتحاد أصحاب العمل، وزير الصحة بالولاية، ورئيس الحزب الاتحادي الأصل، وبعض معلمي المدارس والأطباء وأصحاب أعمال أخري، مما حدا بالبروفيسور عمر للقول انه يفكر في تأسيس جماعة انس متميزة مثل هذه .
في الصباح كان مركز بناء القدرات منتهانا حيث افتتاح الدورة الخامسة والعشرين لترقية الأداء المهني التي نظمها الاتحاد بالتعاون مع جامعة كسلا وكلية الشرق الأهلية وكليه كسلا التقنية، لأساتذة هذه المؤسسات التعليمية الثلاث.
ازدان مساء اليوم التالي بزياراتنا إلى توتيل قبلة العرسان والسياح ، من هناك تطل كسلا بأضوائها الباهرة فيستمتع الناس بتلك المناظر الجميلة وهم يحتسون القهوة ، المشروب الأشهر بشرق السودان والذي لا يكتمل الأنس بدونه، كم كانت جميلة الصور التي التقطناها هناك للذكري ثم عدنا ونحن في شوق إلى نبع وجبال توتيل الذي شربنا منه حتى نعود كما في أدبيات أهل كسلا .
ربما لهذا عدنا أنا وصديقي الدكتور أسامة نهار اليوم التالي لنكتشف ما تبقي من فعاليات جمالية، اغترفنا من نبع توتيل مرة أخري وارتشفنا، وجلسنا إلى أكواب القهوة من جديد ونحن لا نصدع عنها ولا ننزف ولكننا نشعر بسعادة بالغة أن تهيأ لنا شرب القهوة نهاراً في مثل هذا المكان الفريد، فكثرة مشغولياتنا لا تجعل لنا سبيلاً لجلسة كهذه فلم نضعها فرصة .
ومن هناك راجلين قصدنا ضريح سيدي الحسن على سفوح توتيل، حيث صلينا الظهر والعصر جمعاً وقصراً، المسجد ذو بناء جميل ونكهة تاريخية مميزة ، وأمامه فناء واسع نظيف علمت أن صلاة العيدين تقام فيه، ولكن سقفه قد انهار منذ آماد بعيدة كما يبدو ولم يتم ترميمه، وقد سألت بعض الأهالي هنا عن مغزي عدم الترميم فلم أٌحظ بإجابة شافية، وها أنا ارفع تساؤلي إلى السيد عبد الله خليفة الختمية هناك، فهو كما علمت أحد رجالات البر والإحسان . لحسن حظنا حضرنا دعاءاً وتضرعاً لنزول الغيث فدعونا معهم في خشوع، و استجاب الله الدعاء فنزل المطر منهمراً في اليوم التالي .
ولان كسلا قد ارتبطت بإسحق الحلنقي ورفاقه الشعراء، كانت أمنيتنا أن نخبره أننا في بلاده و نلتقي إن تصادف وجوده هناك ولكن حظنا كان عاسراً حين اتصلنا عليه وأفادنا انه بالخرطوم ولكنه سيعود في النصف الثاني من ذاك الشهر إلى كسلا الوريفة للمشاركة في احد المهرجانات الثقافية .
الدكتور عثمان ابن كسلا الشهم وأستاذ الكيمياء بجامعتها وخريج جوبا الرائعة، أصر على دعوتنا لتناول أشهي سلات واسمه سلات موسي فتذوقناه باستحسان وسألنا عن معنى سلات فقالوا إنها تحريف لصلي اللحم بالحجر والفحم، ثم واصلنا طريقنا لنستأذن القاش في الرحيل فقضينا أمسية جميلة زينتها مرة أخرى أكواب القهوة ذات الروائح الطيبة، وفي صباح اليوم التالي عبرناه مودعين وكلنا أمل في زيارة أخري لموطن الجمال كسلا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى