ابراهيم عربي يكتب : بالقوة بالذوق .. جايبنك ياحمدوك ..!

هتافات ولافتات وشعارات وصور رفعها الثوار في المظاهرات مطالبين بعودة الدكتور عبد الله حمدوك لمنصبه رئيسا لوزراء الحكومة الإنتقالية رمزا للمدنية ونموذجا وعنوانا لها وتأكيدا للمضي قدما بالمدنية لتنفيذ تطلعات الثوار السودانيين (بالقوة بالذوق .. جايبنك ياحمدوك) ..!
كنا ندرك أهمية وجود الدكتور حمدوك لقيادة المرحلة الإنتقالية لاسيما وأن الرجل أصبح مكان توافق بين الجميع ، حتي النظام السابق قد رشحه وزيرا للمالية ، فاصبح الدكتور حمدوك مكان توافق بين مكونات قحت لا سيما تجمع المهنيين والثوار الذين جاءوا به محمولا علي الأعناق فأطلقوا عليس (المؤسس) وأصبحت عبارة (شكرا حمدوك) سدا منيعا ضد كافة محاولات إنتقاد الرجل ، وبل خاصموا بسببه الصحافيين والكتاب والإعلامين حينما وصفوه بالضعف ، وقد كتبنا مقالا وقتها في مارس 2020 عندما أشكل الموقف علي الدكتور حمدوك وخرجت تسريبات تؤكد أن الرجل تقدم بإستقالته رفضها البرهان (حمدوك ماشي وين بالليل دا ..!) .
الهتافات والشعارات تلك والإنفعالات والمطالبات لفتت جميعها المتابعين والمراقبين للمظاهرات بالداخل والخارج بأن حمدوك رمزا للمدنية في السودان وأكدت أن هؤلاء الثوار مستعدون للموت في سبيل المدنية وهم يهتفون ويصرخون مدنياااااو مدنياااااو ، بناء عليه تعززت تلك الفرضية في مواقف المجتمع الدولي للمطالبة بعودة الدكتور حمدوك لقيادة حكومة إنتقالية مدنية وبل تراجع هؤلاء عن مواقفهم الرافضة لقرارات قائد الجيش الفريق أول ركن البرهان التي تباينت الرؤي حولها مابين (الإنقلاب ، إستيلاء للسلطة ، تصحيحا للمسار) .
كان الدكتور حمدوك يدرك تلك التحديات ويدرك أن الطريق أمامه ليس مفروشا بالورود ولذلك دائما ما يتشبث بالنجاح عند كل كربة وهو يردد (سنصمد وسنعبر وسننتصر) وأردفها مؤكدا أن هنالك ضوء في آخر النفق وأضاف لم ننجح ولكننا لم نفشل ..! ، ولذلك وجد دعما وسندا مجتمعيا لا سيما من قبل الثوار ، وبالتالي نشطت مبادرات الدعم المحلية والإقليمية والدولية وتوافدت وفودها نحو الخرطوم عند الكربة وجميعها توافقت علي ضرورة عودة الدكتور حمدوك رئيسا لوزراء حكومة انتقالية من كفاءات سودانية مستقلة .
أخيرا نجحت المبادرة الوطنية السودانية التي قلعت ثوب الحزبية وتنادت من أجل الوطن ، نجحت في ترجمة كل ذلك واقعا بالإتفاق السياسي المشهود الذي وقع عليه الدكتور حمدوك والفريق أول ركن البرهان ليعود حمدوك لتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة دون تدخل من المجلس السيادي الذي أصبح دوره مشرفا علي المرحلة الإنتقالية وطبقا لذلك طوت المبادرة الوطنية صفحة الخلافات وأكدت أن السودانيين قادرين علي حلحلة مشاكلهم بأنفسهم .
ولكن كيف ولماذا تبدلت تلك الثقة لتخوين حمدوك ومواجهة مع السلطات في الشارع ؟ ولماذا أصلا الخيارات الصفرية وإنسداد الأفق (لا تفاوض ، لا شراكة ،لا مساومة) وكيف نجح هؤلاء في الإستهبال السياسي وسواقة الشارع بما يعرف بسواقة القطيع ؟ ولماذا تعريض الثوار لمزيد من سفك الدماء وإزهاق الأرواح والسودان في حاجة لتلكم الطاقات للبناء والتنمية والنهضة ؟ ولماذا لا يقود هؤلاء السياسيون الإحتجاجات بأنفسهم بدلا عن التخفي من خلف جدر وحصون مانعة ؟! . 
مع الأسف لم نجد أحدا من هؤلاء السياسيين في السودان لقي مصرعه وهو يقود المظاهرات مناضلا أو بترت أحد أعضائه أو ضرب بالبومبان أو لحق به أذي مثل الثوار إلا تمثيلا لأجندة ماك ة ودوننا جريمة فض الإعتصام والإحتجاجات بالبلاد التي راح ضحيتها شباب غض في ربيع العمر أذهل العالم بسلميته وعدالة قضيته ، بلا شك أن هؤلاء الشباب غرر بهم لأجندات خاصة ولتقاطعات مصالح ليست لهم فيها (ناقة ولا جمل) .
علي العموم عاد الدكتور عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء عبر إتفاق سياسي جديد تم التوقيع عليه بالقصر الجمهوري أمس الأحد 21 نوفمبر 2021 ، قالها لأجل حقن الدماء وفك الإختناق بالداخل والخارج وتحصين التحول المدني الديمقراطي بتوسيع قاعدة المشاركة وحفاظا علي المكتسبات التي تحققت خلال العامين الماضين من عمر الإنتقالية ، وبالتالي يكون الرجل قد تحرر من قبضة الحرية والتغيير (قحت) كحاضنة سياسية إختزلت نفسها في عدد محدود من الأحزاب المتواضعة إلي رحاب أوسع عبر توافق عريض بمشاركة واسعة تشمل كل أهل السودان .
وبالتالي المطلوب من الدكتور حمدوك تسريع خطوات الإنتقال لتكوين المؤسسات وحكومة كفاءات وطنية مستقلة وتكملة السلام إنفاذا لشعار الثورة (حرية ، عدالة وسلام) لأجل إنتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة وقفل الباب أمام نوايا تحالف الفلول (الحزب الشيوعي والبعثي والمؤتمر السوداني) مع مستر نو الرافض لكافة النداءات وأصوات العقل .
كما هو المطلوب من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي كافة وعلي رأسها أمريكا دعم الدكتور حمدوك ماديا ومعنويا ولوجستيا فعلا وليس مجرد قولا ، لا سيما وان المواطن في السودان قد وصل لمرحلة مؤسفة من الفقر وإنفراط عقد الأمن وإرتفاع كلفة المعيشة تجاوز التضخم 500% بسبب سياسات صندوق النقد الدولي وتلك الأزمات المتصاعدة في شح الدقيق والغاز والوقود ، ونقص في مياه الشرب والدواء والتعليم وغيرها .
غير أن السودان بذاتها بلاد غنية بمواردها وإنسانها ولكنها في حاجة للبنيات التحتية والتي تتطلب تدفقات مالية ولوجستية وتقنية ، وبالطبع في حاجة لشراكات إستثمارية (حنبنيهو البنحلم بيه يوماتي .. وطن شامخ وطن عاتي .. وطن خير ديمقراطي) .

الرادار .. الإثنين 22 نوفمبر 2021 . 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى