ماذا يعني أن تكون صحفيا بلا منزل؟

الخرطوم الحاكم نيوز

كتب الصحفي اسماعيل حسابو منشورا محزنا بعد أن قمت مياه الأمطار بغمر مقتنيات من الكتب وقصاصات الصحف في المنزل الذي يستاجره

وتحت عنوان ماذا يعني أن تكون صحفيا بلا منزل قائلا
مشهد مؤلم ومؤزٍ
يرى الصحفي بأم عينيه مقتنياته من كتب ومجلات وجرائد سابحة على بركة من المياه. هذا المشهد يكون أبلغ ألمًا حينما يتكرر، وإزائه لا تملك إلا القول: لو كان لي من منزل ملكي، لشيدت خزانة آمنة لكتبي ومقتنياتي، ولكانت هذه الخزانة هي همك الأول مذ وضع الساس وأثناء تشييد المنزل، لكانت هي الحدث الأبرز لأطفالك ولزوجتك، لكن آه حين تكون حياتك رحيل دائم بين أقبية الإيجار وجخانينه ومضائقه، فحتمًا هذه المشاهد ستتكرر. هذه الحالة تجعل من الكتب حزمًا مستفة بانتظار الانتقال الدائم، والتخلص عن ما يزيد من الوزن بشتى الطرق، هي (قصة) لكنك مضطر لفعلها كل مرة. على مدى أكثر من عقدين من الزمان، كانت أضابير وأزقة وحواري الجرائد، هي الأمكنة التي أقضي فيها الساعات الأطول من اليوم، لأمضى بعدها إلى المنزل وقد اقترب الفجر من الانبلاج، لأقط في نوم قلق وغير عميق تترائى في مخيلتي عناوين و(مانشيتات) كنت قد أعليت مقامها في الصحيفة، أو مادة تتقارب فيها خطوط الحقيقة والزيف، تتقلب الأسئلة المتناسلة في ذهني المرهق لحين شروق يوم جديد، بأمل أن يكون القادم أفضل مما قبله. مع هذا النوم القلق وبعيد عن الصحيفة وعناوينها فإن الصحفي عادة ما يكون مرصعًا بـ”مقلقات” أخرى، ربما أكثر صرامة وحدة وقسوة، ولكنه (مع وهم الصحافة) يتناساها أو يتحاشى حقيقتها وحتميتها. على مدى هذه السنوات كنت أردد دائمًا مع الشاعر قوله (أنا من بدل بالكتب الصحابا**لم أجد لي وافيا إلا الكتابا)، لكن لم أستطع أن أبادل هذا الكتاب الوفاء، فقد كان يستحق خزانة آمنة، وعلوًا لا انخفاضًا، ربما كذا هو حال الصحفي السوداني، ذات يوم حينما وقفت أمام باب المنزل بضاحية الشقيلاب جنوب الخرطوم لأقرعه، كان آذان الفجر يرفع النداء، زوجتي وهي تفتح الباب تسألني عن السكن الصحفي وتقول: أما آن الآوان ليكون لنا بيتًا، يواري هذه الكتب المشتتة، فأقول لها: ما في جديد، هي رحلة كانت تتابع فصولها لتنتهي بعد سنوات إلى اللاشئ، عندما تقدمت للسكن الصحفي وظهر استحقاقي أول مرة، كان الجيب خاويًا من (المقدم)، وفي المرة اللاحقة طلبنا ومعي زملاء آخرين من ناشر الصحيفة وهو رجل أعمال كبير، أن يدفع لنا المقدم على أن يستقطعه من رواتبنا ومتأخراتنا عليه لأربعة أشهر، ولكن لا شيئ، حال كل ناشر، لنتفاجأ به في اليوم التالي يحمل كيسًا به نصف مليار ليدفعه في نفير ترشيح الرئيس المخلوع الذي أقيم حينها بقاعة الصداقة. حين شاهدت كتبي تغرق، تذكرت كل ذلك، وتساءلت في نفسي: ماذا يعني أن تكون صحفيًا بلا (منزل) يحمي مقتنايتك؟، ولكن لا عليك فأنت صحفي سوداني، ستسكن أقاصي الدنيا ولا تملك بيتًا أو سيارة، وستظل بلا نقابة فاهي الثورة قد مضى عليها أكثر من عامين ولا زال حبل النقابة على الغارب. أن تكون صحفيًا بلا (منزل) يحمي مقتنايتك، عليك أن تكون مستعدًا لرؤية مشاهد الكتب والجرائد والأقلام عائمة فيى المياه، عليك أن تسمع طلبات صاحب المنزل الذي تستأجره السخيفة، وإن مرضت فعليك أن تستخدم الحرجل والشيح والحلبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى