
الخرطوم الحاكم نيوز
ظلت الصحافة السودانية خاضعة على مدى أعوام طويلة إلى تضارب في العلاقة بينها والسلطة السياسية، وكانت أجهزة الأمن والمخابرات في العهد البائد اللبنة الأساسية في آلية الرقابة التابعة للنظام، إذ كانت تتدخل مباشرة في وسائل الإعلام ودور الطباعة لاتخاذ شتى أنواع الإجراءات التعسفية.
بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير في عام 2019، أنهت الانتفاضة الشعبية ثلاثة عقود من حكم ديكتاتوري جعل من السودان إحدى أكثر دول العالم قمعاً لحرية الصحافة، ومنحت الثورة فرصة تاريخية للصحافة السودانية للخروج من أوجاع الماضي.
وعلى الرغم من هذ التغيير الكبير، والذي كانت “الحرية” أحد أبرز شعاراته، إلا أن ترتيب السودان في مجال حرية الصحافة، بعد مضي نحو عامين من ذلك التغيير، لم يشهد تقدما كبيرا، إذ جاء في المرتبة رقم (159) عالميا ورقم (13) على مستوى العالم العربي، وقد تقدمت عليه في الترتيب عدد من الأنظمة العربية ذات الحكم الوراثي وأخرى مصنفة شمولية، بحسب “مراسلون بال حدود”.
منذ بداية الفترة الانتقالية اتخذت الحكومة عددا من القرارات وأجازت عددا من القوانين المتعلقة بحرية الصحافة والإعلام وانعكس ذلك إيجابا على الواقع الصحفي بالبلاد حيث شهد تقدما في بداية الفترة الانتقالية وقامت بعزل معظم المسؤولين من النظام البائد الذين كان لهم دورا كبيرا في قمع الصحافة والصحفيين.
إلا أن الحكومة توقفت بعد ذلك في مشروعها الساعي الى معالجة مشاكل الصحافة وجعلها من ضمن الأولويات التي تساعدها في خطواتها نحو الديمقراطية. حيث إن الأمر يتعلق أكثر بإلغاء القوانين المقيدة للحريات، ووضع قانون جديد للصحافة يراعي الظرف الموضوعي الجديد، والعمل على تأسيس كيان جديد للصحافيين، والسعي لفك الارتباط بين الحكومة والمؤسسات الإعلامية.
وأثبتت حادثة قطع البث عن برنامج في التلفزيون الرسمي السوداني بسبب انتقاد أحد الضيوف للحكومة الانتقالية، في يونيو الماضي، استمرار سياسة القيود المفروضة على الإعلام، وأن الحديث عن خارطة طريق إصلاح الإعلام وتطويره سيبقى مجرد تصريحات دون إجراءات فعالة وتشريعات قانونية تضمن حرية الصحافة والإعلام والقطع مع سياسات النظام السابق التي تركت أثرها على الممارسات الصحافية.
ودقت حادثة حجب عدد من المواقع الإخبارية السودانية خلال يوليو الماضي ناقوس الخطر على ما ستؤول إليه حال الصحافة في ظل الحكومة المدنية الساعية الى تحول البلاد نحو دولة ديمقراطية تقوم على الحرية والسلام والعدالة، وانتقدت شبكة الصحفيين السودانيين هذه الإجراءات.
وقالت الشبكة وهي أحد الأجسام التي ينضوي تحت لوائها العاملون في الإعلام السوداني، في بيان رسمي “اعترضنا على قانون المعلوماتية فور صدوره، ذلك لأنه يحتوي على حمولة قمعية ثقيلة، وتقييد للحريات، وبطش بالمخالفين، وها هو ما ذهبنا إليه يتحقق الآن بحجب بعض المواقع الإلكترونية لمجرد الاختلاف والنقد”.
وتابعت: “يؤسفنا أن من يحكمون باسم الثورة الآن يفرغون الثورة من كل محتوى لها، ليقدموا صيغة شمولية ديكتاتورية هي في حقيقتها امتداد لحكومة الطاغوت عمر البشير”.
وزادت: “لا ينفصل ما ذهبت إليه نيابة المعلوماتية من قرار قضى بحظر بعض المواقع الإلكترونية، عما جرى خلال موكب 30 يونيو من مطاردة واعتقال لبعض الصحافيين من منسوبي صحف وقنوات فضائية من قبل لجنة التفكيك التي بدأت تتجاوز دورها وتظهر كحالة تقف فوق الدولة.”
ونفت في الوقت نفسه الحكومة الانتقالية متمثلة في وزارة الثقافة الإعلام حجب تلك المواقع إلا أن النائب العام أكد أن نيابة جرائم المعلوماتية أصدرت قراراً قضى بإغلاق عدد من المواقع والصفحات التي تثير الكراهية بين الطوائف وتشيع الأكاذيب.
وبدأت الجهات المتضررة من هذا التصرف في معرفة دوافعه وأسبابه في وقت أكدت فيه برائتها من التهم التي اختلقتها نيابة جرائم المعلوماتية التي أصدرت القرار لجهاز تنظيم الاتصالات والبريد، والتي تبنت موقفا نفت فيه تأثير أي جهة على قرارها مبرئة الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري.
وطالبت جمعية الصحافة الإلكترونية السودانية الحكومة بالكشف عن الجهة المتخذة لقرار حجب الصحف والمواقع الإلكترونية والمنفذة له، وقالت إن مايحدث الأن من محاولة كبت الحريات وإسكات صوت الحق لا يتماشى مع أهداف الثورة بل يمثل رجعة للوراء والتذكير بعهد النظام البائد.
وأكدت الجمعية وقوفها مع المواقع الإلكترونية المحجوبة والعاملين بها من الصحفيين، وستعمل جاهدة من أجل تفكيك طلاسم القرار ومتخذوه ومنفذوه، مع رفضها اتخاذ أي قرار سياسي او أمني يعطل عمل المواقع والصحف الإلكترونية مستقبلاً.