(محاكمة رموز الإنقاذ) … مطاردة الساحرات (26) 

الخرطوم الحاكم نيوز
كنا قد توقفنا في الحلقة السابقة عند حديثنا عن مايجري بداخل الأجهزة العدلية (السلطة القضائية والنيابة العامة) ووعدناكم ونحن علي خواتيم سلسة الحلقات بأننا سنتطرق إلي العدالة بصورتها الأوسع والأشمل وذلك بإستعراض أداء أجهزة إنفاذ القانون المتمثلة في (الشرطة والسجون) ، ولقد لفت إنتباهنا قانونيون إلى ضرورة الحديث عن بقية الأجهزة العدلية (المحكمة الدستورية ، نقابة المحامين) وعدم تجاوز دورها ، وبهذه المناسبة نشكر لكم متابعاتكم الحلقات بإهتمام ونشكر لكم مساهماتكم وملاحظاتكم وبالطبع جميعها مكان إحترام وتقدير .
لقد سبق وأن تناولنا تلك الملاحظات  في سياق المقالات السابقة ، ولكن لابأس من قول جامع مانع بشأنهما ، فالمحكمة الدستورية تم وأدها تماما عقب إصدارها في نوفمبر وديسمبر من العام 2019 لأحكام قضتها بعدم دستورية إعتقال رموز نظام الإنقاذ ،وأن إعتقالهم تحول من حبس تحفظي إلى حبس عقابي لتطاول أمده ، ولا أعلم ماذا كان سيجري لقضاتها لو أنهم نظروا في مدي دستورية ماجري في 11 أبريل 2019 ، وأعتقد أن تلك مهتمهم الأساسية ، بالطبع لن تستجيب السلطة القائمة لقضائهم ولكن كانوا سيرسون سابقة تاريخية مهمة في تاريخ البلاد .
عموما لقد وأدت تلك المحكمة وقبرت وليست لدي الحكومة النية لإعادتها للحياة رغم نقل مكاتبها إلي مقرها الجديد بشارع الجمهورية، وهو أمر لجد مؤسف ، فالسلطة القائمة الأن ألغت دستور 2005 الذي كان نتاجا لإتفاقية السلام الشامل التي شاركت فيها كل القوي السياسية الحاكمة والمعارضة حينها ، وحتي الوثيقة الدستورية التي أنتجتها أجهزة الحكم الإنتقالي فإنها لم تجد الإحترام اللازم من صانعيها ، لذا يصبح من العبث مطالبتهم بتشكيل محكمة دستورية .
أما نقابة المحامين كما ذكرنا في الحلقة السابقة أنه إستولي عليها من هزموا في آخر إنتخابات جرت لمجلس نقابتها ، وربما إحلوت لهم بريقها وسلطتها فمددوا لأنفسهم من ثلاثة أشهر (كمجلس نقابة مؤقت بالتعيين) إلى أجل غير مسمي ، رغم أن معظم واجهات عمل الأحزاب التي تنشط في هذا المجال يلتصق بإسمها كلمة (الديمقراطية أو الديمقراطي) ..!!.
فإن كان هذا الذي بيناه من قبل هو حال الأجهزة العدلية ، حتما أن حال أجهزة إنفاذ القانون (الشرطة والسجون) لن يكون بمعزل عن الوضع القانوني العام بالبلاد ، فهذه الأجهزة واجبها الأساسي هو إنفاذ القانون وتطبيقه كما قررته وتقرره الأجهزة العدلية ، فمهمتها تدور وجودا وعدما مع مهمة الأجهزة العدلية ، ورغم رسوخ قدمها المهني حيث تجاوزت أعمارها القرن من الزمان واستطاعت خلال هذه الفترة الزمنية ان تطور إرثها المهني المتميز ، فإن ما أصاب الأجهزة العدلية ألقى بظلاله عليها ، علاوة علي حملات التحقير والتنمر التي مورست تجاه قادتها ومنسوبيها .
يكفي أن مدير عام الشرطة أصبح يفصل إستجابة لهشتاقات يبادر بها أحد أبطال (الكي بورد في المنافي البعيدة ليتم تكراره في داخل الوطن) ويتم الإستجابة له من قبل السلطة الحاكمة ، ويكفي أن مجرد تصريح لقائد من قادتها حول نظرته للأحوال الأمنية بالبلاد من منظوره المهني كفيلة بأن تبعده من وظيفته أو موقعه وفي الذهن الحملة التي تعرض لها مدير عام الشرطة الحالي ومدير شرطة ولاية الخرطوم عندما فسرا التردي الأمني الحادث الآن بأنه نتيجة لضعف الحماية القانونية لمنسوبي الشرطة ولإفتقادهم للبديل لقانون النظام العام الذي كان في كثير من مواده عبارة عن إجراءات وتدابير للوقاية من الجريمة خاصة في مواده المتعلقة بمحاربة أوكار الرزيلة والخمور ، بل وطالبا ببديل آخر يواكب المتغيرات التي حدثت بالبلاد ولكن لم يستمع أحد لهما وبل ألقما حجارة حتي من وزيرهما (الذي ترقي خلال عام واحد لثلاث مواقع مديرا لشرطة ولاية الخرطوم ومن بعدها مديرا عاما للشرطة ومن بعدها وزيرا للداخلية) حيث طالب قيادة الشرطة بضبط الخطاب الإعلامي ، ولكن ألم يكن جديرا به أن يسعي لمعالجة الثغرات القانونية التي تعوق أداء الشرطة لمهامها في حفظ الأمن ؟!، ألم يكن جديرا به أن يطالب المؤسسات الحزبية التي تتشكل منها السلطة الحالية أن تردع منسوبيها من الذراية بقوته (كنداكة جاء بوليس جري ) ؟!!!.
وليس ذلك فحسب بل الحال كذلك فإن مؤاخذة هذه الأجهزة علي تجاوزها للقانون في مثل هذه الظروف وهو ماحدث ويحدث الآن ، وقد استعرضنا في حلقاتنا السابقة كيف أن سلطات السجون أصبحت لا تأتمر بقرارات وأوامر النيابة والقضاء فيما يلي إطلاق سراح المقبوض عليهم أو مراعاة حقوقهم القانونية عند توقيفهم بحراساتها ، بل تعيد تلك الأوامر لرئاستها لتقوم الأخيرة بالتشاور مع المكون العسكري ليقرر ما إذا كان ذلكم القرار ينفذ أم لا ، وأصبحت الشرطة تري امام أعينها كيف تلفق القضايا والبلاغات بسلسلة لا تنتهي من الوقائع الكاذبة ، والحال كذلك فإن لوم هذه الأجهزة يصبح غير منصفا ، ويصبح مفهوما عدم إنفعال منسوبيها بما يجري ويرتكب من جرائم أمام ناظريها ، بل ويتفادى منسوبيها أحيانا ذلك خوفا من ردة فعل الحاكمين إذا ما تم إتخاذ إجراء لم يجد الرضا من الحاكمين الكثر ، وزاد الشرطة رهقا علي رهق جيوش الحركات المسلحة التي إستباحت وإجتاحت المدن تحت رايات السلام ، فأبكي ياوطني المحزون علي عدالة إنطلقت حناجر الثوار تنادي بها . 
موعدنا ختام الحلقات بالحلقة القادمة لتقديم ملخص لكل تلك الحلقات التي حاولنا أن نقدم من خلالها صورة عن قرب كيف تجري أمور العدالة بالبلاد عقب الثورة .
نواصل السبت المقبل إن شاء الله .
الرادار السبت 31 يوليو 2021 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى