قرارات مهمة لمجلس الأمن حول سد النهضة

واشنطون وكالات

شدّد مجلس الأمن الدولي، أمس، في جلسة طارئة خصّصها للنظر في حيثيات أزمة «سد النهضة» الإثيوبي، على أهمية إطلاق حوار بنّاء بين أطراف النزاع الثلاثة، مصر والسودان من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر، برعاية الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، مشدداً على أهمية «الحل الأفريقي» للقضية المستمرة فصولها منذ أكثر من 10 سنوات.

ووسط دعم عربي قوي للقاهرة والخرطوم، وقلق أممي، استعرض المجلس مشروع قرار قدّمته تونس، بطلب من مصر والسودان، يطالب بالتوصل إلى حل متوافق عليه من خلال التفاوض بين الدول الثلاث، برعاية الاتحاد الأفريقي، وبمشاركة أممية وأميركية وأوروبية. ويطالب المشروع العربي من إثيوبيا، وقف عملية الملء الثاني لخزان السد وعدم التصرف بشكل أحادي. كما يطالب مشروع القرار الذي يحظى بدعم من لجنة المتابعة العربية المكلفة بمتابعة ملف السد في الأمم المتحدة، كلاً من مصر والسودان وإثيوبيا باستئناف المفاوضات، تحت رعاية الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، داعياً الدول الثلاث إلى «وضع نص اتفاق ملزم بشأن السد خلال 6 أشهر، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء يعرض عملية التفاوض للخطر»، ويحض أديس أبابا على الامتناع عن الاستمرار في تعبئة خزان السد من جانب واحد.

ووفق مصادر في نيويورك، فإن إثيوبيا أعلنت أمس عن موافقتها على إجراء المشاورات حول هذه القضية، لكنها رفضت بشكل قاطع وقف إجراءات الملء الثاني للسد، رغم النداءات السودانية والمصرية. كما أنها رفضت العودة إلى «اتفاق واشنطن» المبرم عام 2015، أو العودة إلى طاولة المفاوضات إلا بعد إتمام عملية الملء الثانية.
وسبق أن قامت إثيوبيا في يوليو (تموز) العام الماضي بإنجاز المرحلة الأولى للملء بسعة 4.9 مليار متر مكعب، فيما يتطلب 13.5 مليار متر مكعب من الماء لملء المرحلة الثانية.
وعبّرت الأمم المتحدة عن «قلقها البالغ» من التطورات المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي الكبير، محذرة من «تداعيات» القرار الأحادي الذي اتخذته أديس أبابا لجهة الشروع في الملء الثاني للسد من دون التوافق مسبقاً مع كل من القاهرة والخرطوم اللتين دفعتا بقوة في اتجاه وضع هذا الملف على جدول أعمال مجلس الأمن بصورة رسمية عبر مشروع القرار الذي أعدته تونس لمطالبة الأطراف المعنية بالعودة إلى المفاوضات بوساطة أفريقية وأميركية وأوروبية.

واستمع المجلس إلى إحاطة من المبعوث الخاص للأمين العام للقرن الأفريقي بارفيه أونانغا – أنيانغا، والمديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن، والمندوب الدائم لجمهورية الكونغو الديمقراطية لدى الأمم المتحدة أيغناس غاتا مافيتا وا لوفوتا الذي تتولى بلاده حالياً رئاسة الاتحاد الأفريقي، بمشاركة شخصية لوزيري الخارجية المصري سامح شكري، والسودانية مريم الصادق المهدي، ووزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي.
وهذه هي المرة الثانية التي يجتمع فيها مجلس الأمن لمناقشة سد النهضة، بعدما عقد اجتماعاً آخر في 29 يونيو (حزيران) 2020. وفي حينه، طلبت مصر من الدول غير الأعضاء في المجلس تطبيق المادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة، ما يسمح لأي عضو في الأمم المتحدة بـ«عرض أي نزاع أو أي حالة مشار إليها في المادة 34»، التي تنص على أن «أي نزاع يمكن يؤدي إلى احتكاك دولي أو يثير نزاع» يعرض على مجلس الأمن أو الجمعية العامة.
وشهدت أروقة مجلس الأمن الدولي، أمس، حالة من الترقب واتصالات دولية مُكثفة، شهدتها الأوساط الدبلوماسية المصرية والسودانية، في الساعات الأخيرة قبيل انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي حول «سد النهضة» الإثيوبي، أمس.
وحرص وزير الخارجية المصرية سامح شكري، الذي غادر إلى نيويورك قبيل انعقد الجلسة بـ5 أيام، رئيساً لوفد بلاده، على عقد لقاءات مع ممثلي جميع الدول الأعضاء الـ15 بالمجلس، وعلى رأسهم الدول دائمة العضوية (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، وروسيا)، لشرح الموقف المصري من القضية. كما أجرى شكري لقاءات يومية، مع نظيرته السودانية مريم الصادق المهدي، ضمن التنسيق المستمر بين مصر والسودان، لمتابعة التحضير للجلسة.
وعشية الاجتماع، أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً مع رئيس الكونغو الديمقراطية فيلكس تشيسيكيدي، الذي يرأس الاتحاد الأفريقي، أعرب خلاله عن «التقدير للاهتمام الذي توليه الكونغو الديمقراطية، بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، بملف سد النهضة، والجهد الذي بذله الرئيس تشيسيكيدي لرعاية المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا».
وبرّر السيسي لجوء مصر والسودان لمجلس الأمن، مؤكداً وفق بيان الرئاسة، أن «قيام مصر والسودان بطلب عقد جلسة لمجلس الأمن كان نتيجة للتعنت ومحاولات فرض الأمر الواقع من جانب إثيوبيا، الأمر الذي أدى إلى تعثر مسار المفاوضات الجارية برعاية الاتحاد الأفريقي».
وشدد على أن «تحرك مصر والسودان في مجلس الأمن يهدف إلى تعزيز المسار الأفريقي ويؤكد على قيادة الاتحاد الأفريقي ورئاسته للمسار التفاوضي، مع تمكين رئاسة الاتحاد الأفريقي، بالتعاون مع الدول والأطراف المشاركة، من الاضطلاع بدور فعال في تسيير النقاش، ومعاونة الدول الثلاث على التوصل لاتفاق ملزم قانوناً لملء وتشغيل سد النهضة في إطار زمني وواضح ومحدد».
وضمن الاتصالات المصرية، الأخيرة، التقى شكري الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مشدداً على وجوب قيام الأطراف الدولية بدور فعال في حلحلة الوضع الراهن.
ومن الجانب السوداني، واصلت وزيرة الخارجية السودانية، مريم المهدي، لقاءاتها بمندوبي الدول الأعضاء المؤثرة في قرارات في مجلس الأمن الدولي، كما حذّرت بلادها من كلفة اقتصادية واجتماعية فادحة وتهديد لمنشآتها المائية جراء تعنت إثيوبيا وإصرارها على مواصلة الملء الثاني لسد النهضة دون اتفاق.
والتقت وزيرة الخارجية السودانية، مريم المهدي، أمس، بنيويورك، مندوبة أميركا الدائمة في مجلس الأمن الدولي، ليندا غرينفيلد، التي بدورها أكدت أن بلادها تدرس مختلف الخيارات بشأن القرار الذي سيخرج به المجلس بشأن النزاع بين السودان ومصر وإثيوبيا في سد النهضة.
وقالت غرينفيلد إن أميركا تقف إلى جانب السودان بتعزيز عملية الوساطة الأفريقية، كما أنها تعترف بعدالة مطالب السودان. كما عقدت المهدي اجتماعاً مع المندوبين الدائمين لمجموعة الدول الأفريقية الثلاث (تونس، والنيجر، وكينيا) وبعثة الاتحاد الأفريقي، بمقر الأمم المتحدة، لدعم القرار الذي سيعتمده مجلس الأمن، ووعدت المجموعة الأفريقية بدعم هذا التوجه، بما لا يتعارض مع مبادرة الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية، مؤكدين وقوفهم على مسافة واحدة من كل الأطراف.
وفي غضون ذلك، قال وزير الري السوداني، ياسر عباس، إن المعلومات التي قدمتها إثيوبيا بشأن ملء السد «ليست لها قيمة في الوقت الحالي»، وصنعت أمراً واقعاً يهدد سد «الرصيرص» السوداني، الذي يقع على بعد 20 كيلومتراً عن سد النهضة.
وأضاف في رسالة بعث بها لنظيره الإثيوبي، بيكيلي سيليشي، أول من أمس: «إن التحوطات التي اتخذتها بلاده للحد من الأخطار المتوقعة للملء الثاني الأحادي لسد النهضة، لن تخفف إلا القليل من التداعيات السالبة على التشغيل الآمن للمنشآت المائية السودانية».
وأكد أن عدم التعاون من الجانب الإثيوبي له كلفة اقتصادية واجتماعية فادحة على السودان. وأوضح وزير الري السوداني، بعض المسائل الفنية المتعلقة بعملية ملء بحيرة السد، مشيراً إلى أنه عندما يتجاوز تدفق المياه سعة البوابتين السفليتين، فسيتم تخزين المياه إلى أن يمتلئ السد، وتعبر المياه من فوقه في نهاية المطاف.
وأشار عباس إلى أن الوضع الحالي الذي صنعته إثيوبيا يتعارض مع مبدأ التعاون وعدم التسبب في ضرر ذي شأن، المنصوص عليه في مبادئ القانون الدولي للمياه؛ حيث إن تدابير الحد من الأضرار التي اتخذها السودان بسبب عدم تعاون إثيوبيا له كلفة اقتصادية واجتماعية فادحة.
وقال إن عدم وجود دراسات أساسية وضرورية لتقييم الأثر البيئي والاجتماعي قبل ملء سد النهضة يعد انتهاكاً مباشراً للممارسات والأعراف الدولية المستقرة في بناء وتشغيل السدود الضخمة.
وحول العرض الإثيوبي لتبادل المعلومات، قال وزير الري السوداني إن بلاده تشترط أن يتم تبادل هذه البيانات في إطار ملزم قانوناً يخاطب مخاوف السودان، بما في ذلك شروط سلامة السد ومتطلبات إجراء تقييم للآثار البيئية والاجتماعية.
وعبّر عباس عن أمله أن تقبل إثيوبيا اقتراح السودان باستئناف المحادثات في أقرب وقت ممكن، على أن تكون مفاوضات فعالة ومجدية، يقودها الاتحاد الأفريقي، وتعزز بالوساطة الرباعية لدعم التوصل إلى اتفاق مرضٍ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى